“تازة قبل غزة”… حين تفضح الحماقة ما خطط له في الخفاء

“تازة قبل غزة”… حين تفضح الحماقة ما خطط له في الخفاء

- ‎فيرأي, واجهة
نجيبة جلال الريسوني

نجيبة جلال

في عالم السياسة، لا تُقاس النوايا بما يُقال، بل بما يُكشف من خلال الزلات…

وقد تكون الحماقة أبلغ من الخطاب المحترف حين تُفلت اللسان بما حاول المشروع التخريبي إخفاءه لعقود.

هكذا كانت تدوينة سليمان الريسوني: ليست تعبيرًا فرديًا عن رأي، بل اعترافًا صريحًا بما بُني من سرديات مضادة للوطن، تحت عباءة فلسطين والضمير.

لقد استُهلكت عبارة “غزة قبل تازة” حتى أصبحت لازمةً يتغنى بها من أدمنوا العبث السياسي، لا حبًا في غزة، بل رغبة في تقويض الإجماع الوطني حول القضية الأولى للمغاربة: الصحراء المغربية.

والأخطر أن هذا الخطاب تم زرعه وتغذيته بعناية، منذ سنوات، من طرف وجوه بعينها: توفيق بوعشرين، حميد المهداوي، عبد الإله بنكيران…
وكلهم، رغم اختلاف مواقعهم، اجتمعوا على هندسة سردية واحدة: تصوير الوطن كعقبة، والمؤسسات كعصا غليظة، والتضامن مع فلسطين كشرط مسبق لنزع الشرعية عن الدولة.

لكن الأمر لا يقف عند هؤلاء الثلاثة.

فهم، بكل وضوح، مجرد واجهة لمخطط أعمق، تديره جهات تعرف جيدًا متى تُشغّل أدواتها، ومتى تدفعها نحو الواجهة، ومتى تستبدلها.

فنبيل بنعبد الله، الذي استنفد رأس ماله السياسي، لم يتردد في مجاراة هذه اللعبة، عبر خطاب مزدوج يدغدغ الغضب ويطعن الاستقرار، تمامًا كما تفعل نبيلة منيب، التي باتت خطاباتها تنافس في فجاجتها خطابات المأجورين في الخارج، وتقدم خدمات مجانية لأجندات لا تجرؤ حتى على إعلان نفسها.

أما تلك الأصوات النشاز بالخارج، التي تتباكى على فلسطين بينما تنهش في وحدة الوطن من على منصات العدمية، فلا تقلّ خطورة عن أدوات الداخل، إذ تُسهم في إعادة تدوير خطاب تآمري يجد صدى له عند بعض المغرر بهم.

ومع ذلك، فإن الحقيقة تظل أقوى من كل هذه المناورات:

المغرب لم يكن يومًا ضد فلسطين.

بل إن الملكية المغربية، منذ الحسن الثاني إلى محمد السادس، وضعت القضية الفلسطينية في قلب أجنداتها الدولية، دون أن تجعل منها ذريعة لتصفية الحساب مع الذات، أو أداة للطعن في السيادة.

اليوم، وقد كشف الريسوني خيوط اللعبة، لم يعد ممكناً غض الطرف عن المشروع الذي بُني بعناية لتفكيك الوعي الوطني، ولا عن التحالف غير المعلن بين أدوات داخلية وقنوات خارجية تسعى لضرب وحدة الوطن من داخل جدرانه.

إن الرد الواعي اليوم لا يمرّ عبر الصراخ أو المزايدة، بل عبر التشبث بالعقل، والإيمان بالثوابت، والتصدي لهذا الخطاب المتقنع بالإنسانية وهو مشبع بالكراهية السياسية.

نعم، “تازة قبل غزة”… لا تقليلاً من شأن فلسطين، بل تحصينًا للمغرب من أن يكون ساحة تجريب لصراعات لا علاقة لنا بها، وتمكينًا لوطنٍ لا يُساوَم عليه.

ريسوني ريسوني ريسوني ريسوني

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *