قطر… حين ترقص الدوحة على حبال النار

قطر… حين ترقص الدوحة على حبال النار

- ‎فيدولي, واجهة
WhatsApp Image 2025 05 04 a 14.32.49 ab387957

 

نجيبة جلال /

مرة أخرى، تجد قطر نفسها في قلب عاصفة دبلوماسية، وهذه المرة من بوابة الانتقاد المباشر والصريح من قبل إسرائيل، التي دعتها إلى “الكف عن اللعب على الحبلين” والاختيار بين “صف الحضارة” و”صف الهمجية”، على حد تعبير بيان صادر عن مكتب بنيامين نتنياهو.

ورغم أن الانتقاد جاء على خلفية موقف قطري من هجوم إسرائيلي على سفينة مساعدات، فإن جذور الأزمة أعمق بكثير. هي ليست مجرد خلاف دبلوماسي طارئ، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الازدواجية السياسية التي تتقنها قطر، وتعيدها إلى واجهة الاتهام من جديد: هل الدوحة وسيط نزيه أم فاعل انتهازي يتقن توظيف الأزمات لصالح أجندة إقليمية مريبة؟

الدوحة لا تخفي انخراطها في جهود الوساطة، وهذا في حد ذاته ليس مدانًا، لكن السؤال المطروح منذ سنوات: أي نوع من الوساطات تمارس قطر؟ هل هي حقًا تسعى للتهدئة، أم أنها توظف الوساطة لشراء النفوذ، وتأبيد علاقاتها مع جماعات أيديولوجية تحت مسمى “الحياد الفعّال”؟

الربيع العربي، وهو نقطة التحول التي انكشفت فيها النوايا، كان كافيًا ليضع قطر في قفص الاتهام: من مصر إلى ليبيا، ومن تونس إلى سوريا، لعبت الدوحة دورًا رئيسيًا في تسليح الخطاب، وتمويل الانشقاقات، ودفع الإسلاميين إلى الواجهة. لم تكن الوساطة آنذاك إلا وسيلة للاختراق، كما بيّن ذلك كتاب “ملكة تبحث عن عرش” المصري محمد الباز الذي وثق بكثير من الدقة هذا الرقص القطري على حبال التناقضات، والرهان على الخراب لانتزاع الشرعية والدور…

أما اليوم، ففي ظل حرب مدمّرة في غزة، تحاول قطر مرة أخرى تسويق نفسها كوسيط للسلام، بينما تغذي في الخلف قنوات إعلامية تحرّض، وتضخ أموالًا لتلميع صورتها عبر لوبيات داخل إسرائيل نفسها، كما كشفت “فضيحة قطرغيت” التي طالت اثنين من مساعدي نتنياهو.

الاتهامات الموجهة لقطر ليست مجرد شتائم سياسية عابرة، بل مؤشرات على نمط مألوف من السلوك: خطاب مزدوج، تحالفات متضاربة، ودبلوماسية ناعمة لا تخلو من المخالب.

قطر اليوم مطالبة، ليس فقط بأن تختار بين “الحضارة” و”الهمجية” كما يقول الإسرائيليون، بل بأن تختار أولاً بين دور الوسيط النزيه ودور اللاعب الخفي في مسرح الشرق الأوسط. فالمشهد الدولي لم يعد يحتمل الكثير من المناورات على حساب دماء الشعوب.

إن فضيحة “QatarGate”، التي تفجرت داخل إسرائيل باعتقال اثنين من أبرز مساعدي نتنياهو بتهمة تلقي أموال من قطر لتلميع صورتها خلال الحرب على غزة، ليست إلا رأس جبل الجليد. التقارير تتحدث عن تمويلات مشبوهة مرّت عبر لوبيات أمريكية لتقويض دور مصر كوسيط تاريخي، وتكريس قطر كفاعل “جديد قديم” في لعبة النفوذ. ومهما حاولت الدوحة التنصل، فإن آثارها واضحة في كل أزمة، من دعم حماس إلى تمويل الجامعات الغربية لتكريس سرديات معادية لدول عربية بعينها.

الخيارات أمام قطر تضيق، وقدرتها على الاستمرار في أداء دور الوسيط والمستفيد في آن واحد بدأت تتآكل. فقد صار من الصعب، في عالم يعج بالتدقيق الإعلامي والسياسي، أن تواصل الدوحة هذا التذاكي الدبلوماسي دون ثمن. حبل المناورة بدأ يقصر، وآن لقطر أن تدرك أن اللعب على التناقضات ليس سياسة دائمة، بل مخاطرة أخلاقية وسياسية قد تسقطها من علوٍ صنعته بنفسها، على أنقاض استقرار دول وشعوب كثيرة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *