إكسبريس تيفي: مصطفى الفيلالي
في مشهد سياسي شديد الوضوح لا يحتمل التأويل، قرّرت الجزائر كالعادة أن تكون الاستثناء الوحيد في المنطقة، حين اختارت الغموض البليغ بدل الوضوح الحاسم، بعد الهجوم الصاروخي الذي شنّته إيران على قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر. وبينما أجمعت أغلب العواصم العربية على إدانة ما اعتُبر انتهاكاً مباشراً لسيادة دولة عربية، دخلت الجزائر في حالة من “القلق العميق” و”الانشغال البالغ”، كما لو أنها تعاني أزمة لغوية تمنعها من نطق اسم إيران.
البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية جاء مثل بيان تلميذ خائف من غضب أستاذين في آنٍ واحد، إذ تحدث عن “انتهاكات لسيادة دولة قطر الشقيقة وحرمة ترابها” دون أن يجرؤ على تسمية من انتهك تلك السيادة. فهل كان صعباً على الدبلوماسية الجزائرية أن تذكر إيران؟ أم أن حسابات المحاور، والرهانات الضبابية على المحاور المتناقضة، باتت تتحكم في صياغة المواقف أكثر من أي اعتبار مبدئي أو أخلاقي؟
المثير للسخرية أن هذا البيان لم يكن سوى إعادة إنتاج ممل لأسلوب دبلوماسي اعتادت عليه الجزائر: خطاب فارغ المحتوى، محايد في الشكل، ومتخاذل في الجوهر. لا هو مع الضحية، ولا هو ضد الجاني، بل هو بيان يكتفي بالإشارة إلى أن “ثمة مشكلة ما” دون أن يقول من تسبب بها. إنه بالضبط كأن تقول: “نحن نرفض القتل”، دون أن تشير إلى القاتل، رغم أنه يقف أمامك مبتسماً، وسلاحه لا يزال دافئاً.
ومع أن العالم بات يشهد تحولات جذرية في علاقات الدول وتوازناتها، لا تزال الجزائر حبيسة مقاربة بالية ترى في الصمت فضيلة، وفي الغموض مهارة دبلوماسية، حتى لو تعلق الأمر باعتداء سافر على دولة عربية شقيقة. وهكذا، تواصل الخارجية الجزائرية تأدية دور المتفرج المتحفظ، الذي يرفض التصفيق أو الاعتراض، خشية أن يزعج أحد الأطراف، أو أن يُحسب عليه موقف في زمن أصبح فيه الحياد ترفاً لا يملكه إلا من لا يُعوَّل عليه.
فهل حقاً لا تزال الجزائر تظن أن الغموض يمنحها وزناً في المنطقة؟ أم أنها فقدت القدرة على التعبير إلا بلغة الخشب؟ في كل الأحوال، الرسالة واضحة: حين تتعرض سيادة قطر لانتهاك مباشر، لا تنتظر من الجزائر أكثر من “انشغال” و”قلق”… وربما أيضاً بضع صيغ إنشائية تصلح للاستهلاك الدبلوماسي، لا أكثر.