ضمن أشغال الندوة الدولية التي نظمتها اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر يومي 20 و21 يونيو، بمشاركة 35 إعلامياً من أوروبا والعالم العربي وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، قدّمت الصحافية الإسبانية باتريثيا ماجيدي شهادة ميدانية مثيرة، كشفت فيها بالمعطيات والتفاصيل ما وصفته بالواقع المقلوب الذي عاشته في تندوف، قبل أن تنتقل إلى مدينة العيون الخاضعة للسيادة المغربية وتقارن بين المنطقتين من زاوية إنسانية ومهنية.
افتتحت الصحافية الإسبانية مداخلتها بتقديم نفسها، قائلة إنّ اسمها يحمل جذوراً عربية، وهو إرث علّمها والدها أن تصونه بصدق ونزاهة. ومن هنا، قالت إنها لم تعد تحتمل الكذب الذي يُمارس في ملف الصحراء.
تحدثت عن اللحظة التي دفعتها إلى البحث: حين سألها أحدهم عمّا تعرفه عن تندوف واللاجئين الصحراويين، فلم تجد جواباً. الصورة التي كانت في ذهنها، تقول، هي لخيمة كاكي محاطة بعسكر. تلك الصورة ظلت معها إلى أن قررت سنة 2018 أن تذهب بنفسها إلى المخيمات، دون بروتوكولات أو حماية رسمية، بتنسيق مع ممثل البوليساريو في إقليم الباسك.
منذ لحظة وصولها إلى المطار العسكري بتندوف، بدأت تشعر بالرقابة. لم تكن وحدها، إذ كان هناك مرافق دائم، ادّعى أنه سائقها، لكنها أحسّت بأنه مكلّف بمراقبتها. لم يُسمح لها بالحديث مع من ترغب، فاضطرت إلى فرض نفسها كمهنية تبحث عن الحقيقة.
توقفت عند حادثة قافلة مساعدات إنسانية من نوع 4×4، كانت محجوزة بميناء وهران، ومنعتها السلطات الجزائرية من المرور، وقالت إنها تعرضت لمحاولات تشتيت انتباهها من خلال دعوتها إلى حفل زفاف طويل، في حين كانت تطلب التوجه للهلال الأحمر. وبعد جهد طويل، وصلت إلى مقر الهلال لكنها لم تجد شيئاً. القافلة اختفت، في ظروف وصفتها بغير المنطقية.
وفي إحدى الولايات داخل المخيمات، كشفت أن الأدوية المتبرع بها من إسبانيا ودول أخرى كانت تُباع في صيدليات محلية. الأدهى، تضيف، أن إحدى تلك الصيدليات يديرها مدير المستشفى نفسه، وهو من عائلة محسوبة على الجبهة. الماء المموّل من الاتحاد الأوروبي يُباع أيضاً، رغم أنه يُفترض أن يكون مجانياً. تحدثت عن اقتصاد قائم على المتاجرة في المعونات.
وفي حديثها عن المستشفى، قالت إنه شبه خاوٍ من الأدوية، ووصفت ما شاهدته بأنه “كارثة صحية”. كما كشفت أنها أجرت مقابلة مع صحراوي، فقد والده خلال حرب البوليساريو ضد المغرب، لكنه اليوم ملاحق من طرف الجبهة لأنه لا يتبنى أطروحتها. وقالت إنها لن تكشف باقي التفاصيل لأنها وردت في فيلمها الوثائقي.
روت الصحافية كيف تُقيّد الحركة داخل المخيمات، حيث يوجد حاجزان؛ الأول للجيش الجزائري والثاني لجبهة البوليساريو، ولا يُسمح بالدخول بعد منتصف الليل. قالت إن العديد ممن يظهرون في النهار أمام الزوار، يعودون ليلاً إلى منازلهم خارج المخيمات، حيث يعيشون في ظروف مريحة.
بعد خمسة أيام، غادرت تندوف متجهة إلى العيون، وقالت إنها قررت ألا تقابل أي مسؤول مغربي، بل تواصلت فقط مع السكان المحليين. وكانت المفاجأة بالنسبة لها أن العيون ليست “مخيماً” كما روّجت لها دعاية البوليساريو، بل مدينة كاملة المرافق، فيها مطاعم كبرى كـ”ماكدونالدز”، وبنية تحتية حديثة.
تحدثت عن لحظة مؤثرة شاهدت فيها سيدتين صحراويتين تتبادلان التحية والعناق مع مغربيتين، وقالت إنها شعرت حينها بأن الرواية التي سُوّقت لها عن “العداء الأبدي” بين المغرب والصحراويين لا وجود لها في الواقع.
أكدت أن أغلب المنتخبين المحليين الذين التقتهم في العيون، من رؤساء جهات وبلديات ومجالس، كلهم صحراويون، يعرفون انتماءهم القبلي، ويعبّرون بحرية عن مواقفهم. وهو ما اعتبرته دليلاً على الانخراط الفعلي للسكان المحليين في تدبير شؤونهم، وعلى كذب ما يُروج عن “تهميش الصحراويين”.
كما أجرت مقابلة مع البشير الدخيل، أحد مؤسسي البوليساريو، الذي كشف لها تفاصيل نشأة الجبهة، وكيف ساهم في اختيار اسمها، ثم كيف تحولت لاحقاً إلى “شركة خاصة بتمويل إسباني عمومي”. تحدث لها عن غياب الرقابة، وعن نقل الأموال في حقائب غير موثقة، وأكد أن البوليساريو تمتلك سجناً حقيقياً يُعرف بـ”سجن الرشيد”، يمارس فيه التعذيب ضد من يخالف خط الجبهة.
عندما عادت إلى إسبانيا، واجهت هجوماً عنيفاً من أنصار الجبهة، وصل حد التهديد الجسدي، وقالت إنها لم تشعر بالخوف حتى في ذروة نشاط منظمة “إيتا” كما شعرت حين عرضت فيلمها الوثائقي. وصفت كيف هوجمت في الشوارع، وتعرّضت للمضايقة، فقط لأنها عرضت الحقيقة.
انتقدت أيضاً كيف يتم تصوير المغرب في وسائل الإعلام الإسبانية كعدو دائم، وقالت إنها وجدت في المغاربة روحاً إنسانية عالية. وذكرت لحظة مؤثرة خلال يوم جمعة، عندما رأت مغربياً يحمل طبقاً كبيراً من الكسكس، لا ليأكله وحده، بل ليُقدمه للمحتاجين، قائلة إنها لم ترَ مثل هذا السلوك في بلدها.
وفي ختام مداخلتها، شددت على ضرورة أن يعود الصحفيون إلى الميدان، وألا يكتفوا بما يُقدّم لهم في الصالونات والمكاتب، وأن يجرّبوا بأنفسهم، ويشاهدوا الواقع بأعينهم. دعت إلى مشاهدة فيلمها “من تندوف إلى العيون، في طريق الكرامة”، وقالت إن هدفها ليس إثارة الجدل، بل نقل الحقيقة كما هي.
وأكدت أن الأموال التي تُرسل باسم اللاجئين لا تصل إليهم، بل تذهب إلى من يحتجزهم ويستغلهم. وقالت إن معركتها اليوم هي من أجل إيقاف هذا التمويل، لأن الجبهة لا تستثمره في التعليم أو الصحة أو الغذاء، بل في شراء السلاح.
واختتمت رسالتها بدعوة الصحافيين إلى المقاومة، وعدم الخضوع للضغط أو الابتزاز، والعمل من أجل صحافة حرّة، نزيهة، ومهنية.