محمد تحفة /
في زمن تنكشف فيه الحقائق كما تنكشف سوءات المتنطعين عند أول هزّة، شاءت الأقدار أن تكشف “العملية الجراحية الدقيقة” التي أجراها الجيش الإسرائيلي في قلب العمق الإيراني، عن حجم الوهم الذي كنا نُسقى به جرعةً جرعةً على موائد بعض “المحللين” و”الحقوقيين” و”حماة الأمة” من ورق.
ها قد سقط القناع، وظهرت هشاشة “الهيبة الإيرانية” التي طالما تغنّى بها عبد الحميد المهداوي وهو يصيح في برنامجه كمن يظن نفسه في ساحة الوغى، متوهّما أن صاروخين من طهران كفيلان بإفزاع مدريد وباريس وإدخالهما تحت الأغطية. مسكين هذا المهداوي، نسي أن الضجيج ليس دليلا على القوة، وأن الإعلام لا يصنع الرعب إلا في مخيلة من يعاني من فقر في التحليل وشحّ في الفهم.
إننا اليوم أمام لحظة فرز حقيقية: لحظة تسقط فيها شعارات “الممانعة” المزيفة، وتظهر الحقيقة عارية بلا رتوش. فلا إيران حامية للمستضعفين، ولا أبواقها في المغرب سوى صدى لصوت مبحوح فقد صدقيته منذ زمن.
كفى وهما، كفى تطبيلا، وكفى استغباءً لعقول الشعوب. فالحقيقة اليوم تصرخ: من كان يظن أن الضجيج يصنع الهيبة، فقد آن له أن يصمت… أو أن يطلب اللجوء في سرداب من السراديب .
أما السيد عزيز غالي، فكان يحدّثنا بثقة العارفين عن “القوة الإقليمية” التي اسمها إيران، وكأنها نمر فارسي لا ينام ولا يُقهر. وما إن دقّت ساعة الحقيقة حتى اكتشفنا أن ذلك “النمر” من ورق مقوى، قابل للاشتعال بأبسط شرارة، وأن البرنامج النووي الإيراني لا يرعب أحداً سوى من يعيش في كهوف الماضي أو على هامش الجغرافيا.
ولا ننسى بطلنا الآخر، أحمد ويحمان، الذي لا يترك مناسبة إلا وذكّرنا فيها أن “العدو الحقيقي” ليس من يقصف العواصم ويغتال العلماء، بل هو من يشرب قهوة فرنسية أو يحمل جوالا صُنع في الغرب! إنهم يرون في كل شيء “مؤامرة صهيونية”، إلا عندما تسقط طهران في قبضة الطائرات المسيّرة، فحينها يصمتون كما تصمت النعاج حين يمر الذئب.
قال السي أحمد ويحمان، ووجهه يفيض باليقين والجهل معًا، إنّ “سفارة إسرائيل هي بيت لكل الإسرائيليين”، رغم أنها الاسم المعتمد لدى وزارة الخارجية الاسرائيلية في كل بقاع العالم وكأنه اكتشف أعظم حقائق القانون الدولي! يا ويحمان، ما هكذا تورد النصوص يا فقيه الجغرافيا السياسية، ولا هكذا تُفهم وظائف البعثات الدبلوماسية!
أي عاقل يعرف أن أي سفارة في العالم، مهما كان البلد الذي تمثّله، لا تُعتبر “بيتا لكل مواطنيه”، بل هي مقرّ دبلوماسي له حصانة قانونية، يمثل الدولة لدى دولة أخرى، لا أكثر ولا أقل. المواطن الفرنسي لا يذهب إلى سفارة بلاده ليأخذ قيلولة، والمواطن الأمريكي لا يطرق باب سفارته ليتناول طاجينًا دبلوماسيًا في فناء السفارة.
لكن يبدو أن السي ويحمان يظن أن كل سفارة هي عمارة مفتوحة، يدخلها المواطن كما يدخل “الحمّام البلدي”، ويبيت فيها كما يبيت في “دار الضيافة”. أين درست يا صاحِ؟! هل في القانون الدولي أم في مذكرات عبد الإله بن كيران؟
ثم إنك يا ويحمان، من كثرة ما ركضت وراء نظرية “الصهيونية العالمية”، نسيت أبسط قواعد الواقع. تريد أن تجعل من كل وجود دبلوماسي “احتلالًا” ومن كل حوار “تطبيعًا”، ولو استطعت، لرفعتَ شعار “كل قنصلية هي مستوطنة محتملة”.
ارحمنا يا رجل، فلسنا أغنامًا في مزرعة وهمك. دع عنك السفارات، واقرأ قليلا عن فيينا واتفاقاتها، أو على الأقل اسأل طالبا في السنة الأولى حقوق، ليفك لك هذا الالتباس المضحك المبكي.
1 32 زيارة , 1 زيارات اليوم