اوسار احمد _ الرباط
ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، وفي رواق وزارة العدل، أثارت الصحفية نجيبة جلال، مديرة نشر جريدة “إكسبريس تيفي”، نقاشاً قوياً حول دور الإعلام الجديد في تشكيل الوعي القانوني والحقوقي. تحدثت بلغة مباشرة، متجاوزة التعميمات، لتضع يدها على مفاصل الأزمة التي يعيشها الإعلام اليوم، مستحضرة نماذج تاريخية تكشف كيف تحوّلت الصحافة أحياناً من سلطة مضادة إلى أداة للابتزاز والتشهير.
وانطلقت نجيبة من مثال قضية “بوفالون” التي هزت الصحافة الفرنسية في القرن التاسع عشر، حين تحوّلت مبارزة بين صحافيين إلى محاكمة رمزية لمهنة الصحافة بأكملها. الصحف اتُّهمت يومها بتحريض القرّاء على العنف عبر روايات الإثارة، وبتجاوز الحدود الأخلاقية والمهنية. واستحضرت الكاتبة أيضاً مقال إميل زولا عام 1879، حين دافع عن الممثلة سارة برنار ضد حملة تشهير قادتها صحيفة “لوفيغارو”، معتبراً أن الصحافة تحولت إلى “سوق للضجيج” و”أداة لتدمير الكرامة”.
نجيبة جلال ربطت هذه المحطات التاريخية بما يعيشه الإعلام المغربي اليوم، معتبرة أن الأزمة الحالية ليست استثناء، بل امتداد لمخاضات مماثلة عاشتها صحافات العالم. لكنها شددت أن هذا لا يعني انهيار المهنة، بل يعكس حاجة الصحافة إلى مراجعة نفسها، قانونياً وأخلاقياً، حتى تستعيد دورها كرافعة للوعي وحاملة لمسؤولية اجتماعية.
وفي مداخلتها، طرحت نجيبة تساؤلات مباشرة حول دور الصحافة اليوم؟ وما مدى تأثيرها في نشر الوعي الحقوقي والقانوني؟ وأجابت بأن الصحفي ليس محامياً ولا قاضياً ولا عميد شرطة، لكنه العين التي تراقب، والضمير الذي يترجم القضايا المعقدة بلغة الناس. هذا الدور يتطلب التكوين العميق، والوعي بأن الكلمة مسؤولية، والمعلومة سلطة، والخبر قد يُحدث فرقاً بين العدالة والظلم.
كما انتقدت ما وصفته بالفوضى الإعلامية في قضايا تمس شرف الأفراد وكرامتهم، حيث يختلط القانون بالتأويل، والمعلومة بالإشاعة، والتحقيق بالتشهير. واشارت ايضاً إلى قضايا تم فيها الخلط بين التحرش الجنسي والعلاقات الرضائية، معتبرة أن بعض وسائل الإعلام ساهمت في ترسيخ مفاهيم مغلوطة تمس جوهر القوانين المغربية. وحذرت من تحول الصحفي إلى أداة لهدم المفاهيم الحقوقية، بدلاً من أن يكون حامياً لها.
كما أثارت المخاطر المرتبطة بتصاعد الإعلام الرقمي، حيث تتحول الهاشتاغات إلى محاكم شعبية تصدر الأحكام دون دليل. لكنها في المقابل، اعترفت أن نفس الوسائط الرقمية كانت أحياناً وسيلة قوية لفضح الانتهاكات وكسر الصمت، كما حدث في حملات MeToo و#JusticePourAdil.
ولم تتردد جلال في توجيه نقد صريح لبعض الممارسات الصحفية التي وصفتها بالمسيئة، سواء في نشر صور وبيانات شخصية، أو في التحول إلى أبواق لعواطف الجماهير، أو حتى في التورط، عن قصد أو عن جهل، في حملات تفتقد المهنية وتخدم أجندات تتعارض مع المصالح الوطنية.
ووجهت في ختام كلمتها إلى تأسيس إعلام يحترم القانون، يلتزم بالمسؤولية، ويخدم الحقيقة، لا الترند. ورأت أن الصحافة، اليوم، مطالبة بأن تحمي المجتمع من الجريمة لا أن تبررها، وأن تشتغل بالعقل لا بالتهييج، وأن تضع كرامة الناس فوق نسب المشاهدة.
وأكدت أن حماية الأمن القانوني والحقوقي للأفراد يبدأ من التكوين الصارم للصحفيين، ومن الاعتراف بأن الخطأ في الإعلام لا يُصلح باعتذار، لأنه إذا كان خطأ الطبيب قد يقتل جسدًا، فإن خطأ الصحفي يمكن أن يقتل مجتمعاً بأكمله .
1 41 زيارة , 1 زيارات اليوم