أبحاث جديدة تكشف عن اضطرابات نفسية تصيب الحيوانات

أبحاث جديدة تكشف عن اضطرابات نفسية تصيب الحيوانات

- ‎فيمنوعات, واجهة
1 1024395
إكسبريس تيفي

متابعة

يدور، منذ عقود، السؤال بشأن ما إذا كانت الحيوانات تصاب بالأمراض العقلية. وفي الوقت الذي يتكهن فيه الباحثون وأصحاب الحيوانات الأليفة، مثل القطط والكلاب، كل يوم، بشأن الأفكار التي تدور في خلد حيواناتهم؛ فقد أعطى التقدم العلمي والطفرة التي حدثت في المسح الإشعاعي للمخ نظرة أوضح لحقيقة ما يحدث داخل عقول الحيوان، وأصبح الخبراء الآن على قناعة بأن معظم الثدييات وربما بعض الطيور أيضا يمكن أن تصاب بالتوتر، على غرار ما يحدث للبشر على نحو يدعو إلى الدهشة.

 

وقال أطباء بيطريون وباحثون في مجال سلوكيات الحيوان إن الحيوانات تصاب بالفعل بالأمراض العقلية والاضطرابات النفسية؛ ولكن طبيعة الأعراض التي تظهر عليها تختلف بالطبع عن ما يحدث لدى الإنسان. فالقطط والكلب التي تعاني من القلق والتوتر ربما لا تظهر عليها الأعراض نفسها المذكورة في كتب ومراجع الطب النفسي، وقد تختلف سلوكياتها عن التعريف التقليدي لمرض “اضطراب القلق المعمم” ويقصد به القلق المزمن. وتتسم أعراض هذا المرض النفسي بشعور مفرط بالتوتر معظم الوقت وعدم القدرة على التحكم في القلق. وعلى الرغم من أن البشر يمتلكون اللغة التي تسمح لهم بالتعبير عن معاناتهم، فإن الحيوانات لا تستطيع توصيل معاناتها النفسية للآخرين. ومن جانبهم، يستطيع الأطباء البيطريون تشخيص إصابة الحيوان بالقلق أو بالوسواس القهري عندما يرصدون مؤشرات معينة في سلوكياتها.

 

وقال كارلو سيراكوزا، المتخصص في الطب البيطري بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، إن الحيوانات تصاب “بالقطع” بالأمراض العقلية. ويعمل سيراكوزا بانتظام مع أصحاب حيوانات أليفة تظهر عليها أعراض عنف أو سلوكيات مدمرة، وأوضح أنها نتاج للشعور بالتوتر أو الخوف.

 

وأفاد كارلو سيراكوزا، في تصريحات للموقع الإلكتروني “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية، بأن التفاعلات الداخلية في المخ الناتجة عن القلق لدى الحيوان تتشابه بشكل أو بآخر مع الإنسان؛ فالمناطق نفسها التي تنشط في مخ الإنسان تنشط أيضا لدى الحيوان عند الشعور بالخوف.

 

وعلى الرغم من اختلاف مخ الإنسان والحيوان من حيث الحجم ودرجة التعقيد، فإن العملية الانفعالية لدى الاثنين تتم داخل “اللوزة الدماغية”. وعلى غرار الإنسان، فإن الكلاب التي تشعر بالإهمال أو تتعرض لتغيرات جذرية في البيئة التي تعيش فيها قد تظهر عليها سلوكيات اندفاعية وعدوانية، كما أن الحيوانات الأليفة قد تبدي سلوكيات قهرية مثل الإنسان. وأبرز المتخصص في الطب البيطري سالف الذكر إن المرض النفسي لدى الحيوان لا يتم ملاحظته في كثير من الأحيان إلا عندما ينعكس بشكل سلبي على نمط حياة أصحاب هذا الحيوان.

 

وأكد العلماء أن بعض أنواع المرض العقلي تقتصر على الإنسان؛ فانفصام الشخصية، على سبيل المثال، يرتبط مباشرة بتعقد تركيب المخ البشري. وقد توصلت دراسات حديثة أجريت في مركز “ماونت سايناي” الطبي في الولايات المتحدة ومراكز بحثية أخرى إلى أن انفصام الشخصية على وجه الخصوص ربما يكون نتاج تغيرات في أجزاء من الحمض النووي تعرف باسم “مناطق التسارع البشرية” داخل المخ، وقد حدثت في هذه الأجزاء طفرات سريعة لدى البشر لم تواكبها تغيرات مماثلة لدى الحيوان. ومن هناك يمكن التأكيد على أن الحيوانات، مثلا، لا يمكن أن تشعر بـ”عدم الأمان” في المواقف الاجتماعية المحرجة أو ينتابها شعور باليأس بشأن مفاهيم وجودية مجردة؛ وهذا يعني أن الحيوانات لا يمكن أن تصاب ببعض أنواع الاكتئاب السريري التي قد يعاني منها البشر.

 

وأرجع سيراكوزا هذا الاختلاف إلى أن مخ الحيوان لا يعرف وظيفة التخطيط طويل المدى التي تتم داخل منطقة القشرة الجبهية شديدة التعقيد لدى الإنسان.

 

وأورد الباحثون أن المرض العقلي لدى الحيوان يمكن أن يظهر بأشكال مختلفة؛ نظرا لأن الحيوانات تعبر عن اضطراباتها العقلية أو النفسية من خلال تفاعلات مع البيئة المحيطة بها. فقط تجد الكلاب أو القطط التي تشكو من الاضطراب تتحرك في أرجاء الغرفة أو ترتعد أو تنزع فرائها، وقد تتقيأ الوجبات التي تتناولها بشكل متعمد. ولوحظ على بعض الرئيسيات، مثل القرود، في الأسر أنها قد تقوم بجرح نفسها أو القاء فضلاتها على الآخرين في حالات المرض العقلي. وشوهدت بعض الحيوانات الأليفة تحطم قطع الأثاث أو تزمجر وتهاجم المحيطين بها غير المألوفين لديها في حالات الفصل بينها وبين أصحابها. وأثبت العلم أيضا أن الصدمات النفسية الحادة التي قد يتعرض لها الحيوان في الماضي تظل تؤثر على سلوكياته مثلما يحدث للبشر. وذكر باحثون أن 10 لفي المائة من كلاب الجيش الأمريكي التي شاركت في حرب أفغانستان تم تشخيصها باعتبار أنها مصابة باضطرابات التوتر ما بعد الصدمة على سبيل المثال.

 

ولا شك في أن تقدم العلم الحديث في مجال تصوير المخ ساهم في اتساع دائرة فهم البشر لنفسية الحيوان؛ وهو ما أفضى إلى ظهور موجة من أدوية الأمراض النفسية الخاصة بالحيوان، فقد أظهر استبيان أجرته مؤسسة “باكيدجد فاكتس” لقياس الرأي في الولايات المتحدة عام 2017 أن 8 في المائة من أصحاب الكلاب و6 في المائة من أصحاب القطط يعطون حيواناتهم الاليفة أدوية لعلاج التوتر وضبط المزاج النفسي. وظهرت، في السنوات الأخيرة، نسخ من الأدوية البيطرية تماثل دواء بروزاك المخصص لعلاج الاكتئاب لدى البشر. ولا يمانع ساركوزا في إعطاء الأدوية النفسية للحيوان في الحالات المتقدمة فقط، ويحذر من خطورة المبالغة في وصف هذه الأدوية للحيوانات، ويعتقد أن اللجوء سريعا إلى علاج الاضطرابات النفسية لدى الحيوانات بالأدوية مثل المهدئات والمنومات قد يؤدي إلى إخفاء أعراض المرض بدلا من التصدي له وعلاجه بشكل فعلي. وأكد أن زيادة الوعي بالمشكلات النفسية لدى الحيوان يمكن أن تساعد في تخفيف المعاناة التي تتعرض لها الحيوانات في صمت وبلا ضرورة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *