ترامب وذهبه النووي الزائف

ترامب وذهبه النووي الزائف

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
Carl Bildt trump

كارل بيلت : رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها سابقا

هل ستكون رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بناء نظام دفاع صاروخي لا يخترق هي المسمار الأخير في نعش ضبط التسلح النووي الاستراتيجي؟ لأن “القبة الذهبية” المقترحة منه قد تؤدي إلى سباق تسلح استراتيجي مكلف وزعزع للاستقرار، فقد يتحول حلم ترامب إلى كابوس للعالم.

في الحد الأدنى، يمثل النظام المقترح تحولا خطيرا في المفاهيم، فقد أدت التخفيضات الكبيرة في الترسانات النووية خلال العقود الأخيرة من الحرب الباردة، واستمرت بعدها بقرابة عقد، إلى تحقيق استقرار استراتيجي، وخلال هذه الفترة، حفظ السلام من خلال الردع، الذي كان يستند إلى مبدأ “التدمير المتبادل المؤكد” – وهو المفهوم الذي اختصر اختصارا مناسبا بـMAD (الجنون)، وقد تم تثبيت هذا المبدأ بشكل رسمي في معاهدة الحد من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972، والتي التزمت بموجبها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعدم بناء دروع دفاعية ضد الضربات النووية الاستراتيجية.

إعلان يمكن النقر عليه

ورغم ما يبدو عليه هذا المفهوم من تهور، إلا أن الخطر المستمر لهجوم نووي هو الذي يعتقد على نطاق واسع أنه حال دون تبادل الضربات النووية خلال الحرب الباردة، فقد جعل مبدأ “الجنون المتبادل” الصراع المباشر أمرا بالغ الخطورة، لا يمكن قبوله.

لم يكن لأي طرف مصلحة في إشعال حرب تضمن دمار الطرفين، وبدلا من ذلك، خيضت الحرب الباردة على الهامش، في الغالب عبر حروب بالوكالة، ورغم وجود لحظات خطيرة للغاية – مثل حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، حين استنفرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قدراتهما النووية – إلا أنه لم يحدث صدام مباشر عنيف بين القوتين.

بين حين وآخر، كان بعض القادة السياسيين يحلمون بترتيبات بديلة، فعلى سبيل المثال، حلم الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بعالم خال من الأسلحة النووية، وأطلق “مبادرة الدفاع الاستراتيجي” (المعروفة إعلاميا بـ”حرب النجوم”) لبناء نظام دفاع صاروخي فضائي، لكن الفكرة اتضح أنها باهظة التكلفة، وربما لم تكن لتنجح عمليا أبدا.

وفي عام 2002، انسحب الرئيس جورج دبليو بوش من اتفاق الحد من الدفاعات الاستراتيجية، مما أتاح للولايات المتحدة تطوير النظام الدفاعي الحالي، لكن هذه الدفاعات تبقى محدودة، وغير مختبرة على نطاق واسع، وموجهة في الغالب نحو اعتراض عدد قليل من الصواريخ الكورية الشمالية، أما في حال قررت روسيا شن هجوم نووي واسع النطاق، فإن الدفاعات الأمريكية الحالية لن تصمد أمامه.

ومع ذلك، دفع قرار بوش بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استثمار موارد ضخمة في تطوير أسلحة يمكنها تجاوز الدفاعات الأمريكية المستقبلية، من بين هذه الأسلحة طوربيد نووي طويل المدى، قادر على تجاوز الدفاعات التقليدية، وصاروخ كروز نووي يعمل بالطاقة النووية وبمدى غير محدود، قد يتمكن من التسلل من الأجواء المكسيكية، مثلا، وعلى الرغم من عقود من العمل، لا تزال هذه الأسلحة بعيدة عن أن تصبح عملياتية، ومع ذلك، لم يتبق من جهود ضبط التسلح السابقة سوى معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، والتي علقتها روسيا في عام 2023، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيتها في فبراير المقبل إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد.

وفي هذا السياق، يطرح ترامب مقترحه بشأن “القبة الذهبية”، وبينما لا تمت تصريحات ترامب المتحمسة بشأن “إنهاء تهديد الصواريخ إلى الوطن الأمريكي إلى الأبد” لأي صلة بالواقع، فمن المؤكد أن إدارته ستخصص مئات المليارات من الدولارات لتطوير أنظمة أكثر تعقيدا، وإن كانت مشكوكا في فعاليتها، والأسوأ من ذلك، أن روسيا والصين سترى في هذه المبادرات تهديدا لقدرتها الاستراتيجية النووية، فإذا اعتقدت هذه الدول أن الولايات المتحدة أصبحت غير معرضة للخطر، في حين أن قدرتها على الردع مهددة، فستتغير الحسابات النووية.

وهذا ينطبق خصوصا على روسيا، التي تعد قوتها النووية الاستراتيجية ركيزة أساسية في ادعائها بأنها لا تزال قوة عظمى. وقد يؤدي تقويض قدرة روسيا على توجيه ضربة نووية إلى إثارة خوف شبه وجودي لدى مخططيها الاستراتيجيين، ومن وجهة نظر الصين، قد تكون المخاوف مماثلة، وإن كانت بدرجة أقل حدة، نظرا لأن قوة الصين تستند إلى قاعدة أوسع.

وإذا أنفقت الولايات المتحدة عشرات المليارات على الدفاع الصاروخي، فستضطر روسيا إلى إنفاق كل ما في وسعها لمعادلة تلك القدرات الجديدة. وما إذا كانت روسيا قادرة على تحمل هذا العبء غير مؤكد على الإطلاق، من الواضح أنها ستضطر للتخلي عن أولويات أخرى، ويظهر تراجع برنامجها الفضائي الصعوبات المالية التي تواجهها بالفعل، ومع ذلك، فإن هذه التغيرات لن تفضي بالضرورة إلى استقرار عالمي، فبينما وفرت أنظمة ضبط التسلح الاستراتيجية القديمة وضوحا بشأن موازين القوى، فإن الوضع الجديد سيكون أكثر غموضا وتقلبا.

كانت إدارة العلاقة الاستراتيجية الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا معقدة بما فيه الكفاية. أما علاقة ثلاثية تشمل أيضا الصين – التي تعمل على توسيع ترسانتها النووية – فستكون أكثر تعقيدا، وإن شملت أيضا فرنسا وبريطانيا، فستتحول إلى فوضى حقيقية، وكلما ازدادت الفوضى، زادت احتمالية تصاعد سوء الفهم أو النزاعات الهامشية إلى ما هو أخطر.

من جانبهم، وصف كل من بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ اقتراح “القبة الذهبية” بأنه “رفض كامل ونهائي للاعتراف بالعلاقة غير القابلة للفصل بين الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والدفاعية الاستراتيجية” وهم ليسوا مخطئين. لكنهم لا يقدمون كذلك بدائل أو أفكارا لإدارة هذه المخاطر بشكل أفضل.

ومع تصاعد مخاوف روسيا والصين، فإن “القبة الذهبية” من غير المرجح – من المفارقة – أن تضمن أمن الولايات المتحدة، لقد رأينا للتو أن الأنظمة المتطورة جدا الإسرائيلية والأمريكية معا لم تتمكن من منع عدة صواريخ إيرانية من الوصول إلى وسط تل أبيب، ومع الرؤوس النووية، صاروخ واحد فقط كفيل بكارثة.

لا توجد حلول سهلة. ورغم أن حلم إنشاء نظام دفاعي لا يخترق لن يموت أبدا، إلا أن منطق الاستقرار النووي بسيط. حتى في هذه الأوقات العصيبة، لا بد من الإبقاء على بعض قنوات الحوار بين القوى المعنية.

1 20 زيارة , 1 زيارات اليوم

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *