أفريقيا تتصدر جهود إصلاح النظام المالي العالمي

أفريقيا تتصدر جهود إصلاح النظام المالي العالمي

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
حنان مرسي

حنان مرسي : نائب الأمين التنفيذي وكبيرة الاقتصاديين في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، وعضو في “فريق الخبراء الأفارقة” ضمن رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين.

أديس أبابا – أوضحت اجتماعات الربيع لهذا العام لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن النظام المالي العالمي، الذي أرهقته الأزمات المتكررة، لم يعد ملائمًا للغرض الذي أُنشئ من أجله. إذ تتباطأ معدلات النمو، وتزداد تقلبات المناخ، وتتفاقم أزمات الديون، بينما لا تزال الأدوات السياسية المتاحة ثقيلة، مجزأة، وغير فعّالة بما يكفي.

لطالما تحملت أفريقيا وطأة هذه الإخفاقات. لكن، وبدلًا من الاكتفاء بالمطالبة بالإصلاح، باتت الحكومات الأفريقية تتقدم بشكل متزايد بحلول عملية، وتبني مؤسسات، وتُطلق ابتكارات تهدف إلى إنشاء نظام مالي دولي يوزّع رأس المال بكفاءة أكبر، وقادر على مواجهة الصدمات المتزايدة، وتقليص فجوات عدم المساواة.

إعلان يمكن النقر عليه

وغالبًا ما يتم تأطير الدعوات إلى الإصلاح بوصفها مطلبًا للعدالة، إلا أن القضية الأهم الآن هي الكفاءة. فالنظام المالي العالمي الحالي يفشل في توفير السيولة الكافية أثناء الأزمات، وفي الاستثمار في التكيف مع المناخ، وفي توجيه رأس المال نحو فرص النمو الأخضر ذات العوائد المرتفعة، كما يعجز عن تسوية نزاعات الديون السيادية بالسرعة اللازمة للحفاظ على مكاسب التنمية. إنه نظام معطوب اقتصاديًا ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار.

ولهذا السبب، فقد دافعت البلدان الأفريقية في السنوات الأخيرة عن إصلاحات في هيكلة الديون والتمويل بالعملات المحلية، مطالبةً البنوك الإنمائية متعددة الأطراف بلعب دور أكثر فاعلية. وتعكس هذه المقترحات إدراكًا متزايدًا بأن الإخفاقات البنيوية ترفع من تكاليف المخاطر، وتثني المستثمرين، وتُعرض الاقتصادات الوطنية لصدمات خارجية أكبر.

تُعد أزمة الديون التحدي الأكثر إلحاحًا وتهديدًا على التنمية العالمية. فاليوم، تنفق أكثر من 30 دولة أفريقية على خدمة ديونها الخارجية أكثر مما تنفقه على الصحة والتعليم. ورغم أن دليل مائدة مستديرة الديون السيادية العالمية التابع لصندوق النقد الدولي يشجع على الحوار المبكر بين الدائنين والمقترضين ويؤكد على الشفافية، إلا أن تأثيره لا يزال محدودًا بسبب غياب آليات الإلزام والتنفيذ.

استجابت الحكومات الأفريقية من خلال الدعوة إلى وضع إطار لحل أزمات الديون يكون قائمًا على قواعد واضحة، ويمكن التنبؤ به، ويأخذ في الاعتبار احتياجات التنمية. فالنظام الحالي، بما يعانيه من تأخيرات، وارتفاع في أقساط المخاطر، وسوء تنسيق بين الدائنين، يفشل في مواءمة الحوافز، واحتواء التداعيات، وجذب الاستثمارات الخاصة. ولحسن الحظ، فإن رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين تمثل فرصة فريدة للقارة من أجل الدفع بإصلاحات جريئة تعيد تعريف الدين ليس كعبء، بل كمحفّز للنمو.

ومن أبرز الأمثلة على جهود أفريقيا في إعادة تصميم النظام المالي العالمي، المقترح الخاص بإعادة توظيف حقوق السحب الخاصة (وهي أصول احتياطية يصدرها صندوق النقد الدولي) كرأسمال مختلط للبنوك الإنمائية متعددة الأطراف. هذا المقترح، الذي تقدّم به كل من البنك الأفريقي للتنمية ومجموعة الـ24، يسمح بالاستفادة من حقوق السحب الخاصة دون فقدان صفتها كأصول احتياطية، مما يخلق مساحة أكبر لتقديم قروض ميسّرة. وقد بدأت عدة بنوك إنمائية في دراسة هذا المقترح كوسيلة لتعزيز ميزانياتها وزيادة قدرتها على الإقراض.

وبالمثل، تعمل مؤسسات إقليمية مثل “بنك التجارة والتنمية” و”المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA)” على تطوير أدوات ائتمانية جماعية، ومنصات تمويل بين دول الجنوب، وآليات تمويل مناخي مصممة خصيصًا للسياقات الهشة. وهذه ليست مجرد ابتكارات فحسب، بل نماذج قابلة للتطبيق يجب على صناع القرار العالميين اعتمادها وتوسيعها.

من المهم التأكيد على أن التمويل العام وحده لا يكفي لتوفير حجم الاستثمارات اللازمة لتحقيق النمو، وتعزيز الصمود، وتسريع التحول المناخي. لكن تدفقات رأس المال الخاص لا تزال تتجنب العديد من الاقتصادات الأفريقية، بسبب تصورات عن ارتفاع المخاطر، وتكاليف الاقتراض المرتفعة، وقلة الأدوات المالية، وضعف حزمة المشاريع المؤهلة للاستثمار.

ويمكن أن تسهم أدوات مثل الضمانات الائتمانية، والتمويل المدمج، ورأس المال الخاسر أولًا في إعادة التوازن بين المخاطر والعوائد وجذب الاستثمار الخاص. ولكن لكي تكون فعالة، لا بد من استخدامها على نطاق واسع، وليس فقط في مشاريع تجريبية. كما أن الإصلاحات المؤسسية المبكرة التي تعزز الأطر القانونية وبناء القدرات تبقى ضرورية لتطوير حافظة مشاريع استثمارية قوية.

وتُظهر التجربة الأفريقية أن البنوك الإنمائية متعددة الأطراف يجب أن تدعم الاستثمارات في مراحلها المبكرة والمتأخرة على حد سواء. ومن نقاط القصور المستمرة تجاهل دعم التمويل بالعملات المحلية وتطوير أسواق رأس المال المحلية. فالاعتماد المفرط على القروض بالعملات الأجنبية يعرّض الدول الأفريقية لتقلبات السوق، ويزيد من كلفة خدمة الدين. ومع ذلك، لا تزال المؤسسات الإنمائية تتعامل مع أدوات التمويل بالعملات المحلية باعتبارها هامشية أو تجريبية.

ولا ينبغي أن يكون الأمر كذلك.

يمكن أن تُشكل برامج “Tesouro RendA+” و”Educa+” في البرازيل نموذجًا مفيدًا، حيث تُظهر الإمكانات الكبيرة للأدوات الادخارية القابلة للتعديل حسب التضخم والتي يمكن للأفراد الوصول إليها بسهولة. فقد نجحت هذه الأدوات، التي تُقدّم من خلال تطبيقات الهاتف المحمول وبطاقات الهدايا بمبالغ تبدأ من دولار واحد فقط، في تعبئة رأس مال محلي طويل الأجل، وتعزيز الشمول المالي. وبالمثل، فإن “نظام الدفع والتسوية الأفريقي” (PAPSS)، الذي أصبح الآن قيد التشغيل بين عدة بنوك مركزية، يتيح التجارة العابرة للحدود بالعملات المحلية، ويعالج اختناقات السوق، ويوفر نموذجًا لبناء نظام مالي أكثر مرونة.

وللاستجابة بفعالية للصدمات المناخية، تحتاج أفريقيا إلى حزمة أدوات شاملة تشمل مبادلات الدين مقابل المناخ، والسندات الخضراء، وآليات التمويل الميسر القادرة على جذب استثمارات خاصة في جهود التكيف المناخي. ورغم أن “صندوق الصمود والاستدامة” التابع لصندوق النقد الدولي يمثل خطوة إيجابية، إلا أنه بحاجة إلى توسعة كبيرة. والأهم من ذلك، أنه يجب أن يعبّئ استثمارات أكبر من القطاع الخاص في مجال المناخ.

التحدي لا يقتصر على ابتكار أدوات جديدة، بل يشمل أيضًا تحسين آليات التنفيذ. فالبنوك الإنمائية والمانحون مطالبون بتبسيط آليات الوصول إلى التمويل، وتحسين التنسيق، ودمج الصمود المناخي في استراتيجيات الاستثمار الوطنية.

إن أولويات أفريقيا – من تسوية الديون في الوقت المناسب، وتعزيز جاهزية الاستثمارات في مراحلها الأولى، والاقتراض بالعملة المحلية، والتمويل المناخي واسع النطاق – ليست مجرد مطالب إقليمية، بل حلول منهجية قادرة على جعل النظام المالي العالمي أكثر استجابة واستعدادًا للصدمات المستقبلية.

وفي عالم تزداد فيه الأزمات المركّبة وندرة رأس المال، تقدم الحكومات الأفريقية حلولًا عملية واستشرافية لمعالجة أكثر نقاط الضعف إلحاحًا في النظام المالي العالمي. وتُسهم رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين في رفع مستوى هذا النقاش، موصلةً رسالة واضحة: أفريقيا لا تطلب الانضمام إلى الحوار العالمي – إنها تساعد في تشكيله.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *