يُعتبر حميد المهداوي مثالاً حيّاً على حالة نفسية معقدة، تتجاوز التناقضات الفكرية لتصل إلى أعماق الاضطرابات النفسية العميقة. إنه ليس مجرد شخص يحمل آراء متباينة، بل هو نموذج صارخ لشخصية تغذي نفسها من الإهانة والإذلال الذاتي. وكأنما يجد راحته النفسية في النزول إلى قاع الانحدار اللفظي، حيث لا يتحقق توازنه إلا في خضم السباب والشتم. هذا السلوك، الذي يتكرر في حياته اليومية، يشير إلى وجود اضطراب نفسي يستحق الوقوف عنده.
من خلال متابعة تصرفاته وكلماته، يظهر جليًا أن المهداوي يعاني من اضطراب الشخصية المازوشية، ذلك الاضطراب الذي يجعل الشخص يستمتع بالإهانة والتعذيب النفسي. إنه لا يبحث عن الهروب من الشتائم أو تجنبها كما يفعل أي شخص سوي، بل يجد لذته في تلقيها وتبريرها بكل فخر، وكأن هذه الكلمات الجارحة تشهد له بوجوده وبشرعيته في العالم.
إنه ليس فقط يستقبل الشتائم، بل يتقمصها كدليل على صحته النفسية وقوة تحمله. ومع ذلك، ما يخفى وراء هذه التمردات اللفظية هو أن المهداوي لا يرى في الآخرين إلا انعكاسًا مشوّهًا لذاته. فعندما يتهم خصومه بألفاظ مثل “ولد لحرام” أو “سلاگط”، فإنه في الواقع يعكس مشاعره المكبوتة ويُلقي بها على الآخرين. هذه الظاهرة النفسية تُعرف بـ”الإسقاط”، حيث يقوم الشخص بإسقاط عيوبه الداخلية على من حوله، ليهرب بذلك من مواجهة نفسه.
وفي الوقت نفسه، لا يمكننا تجاهل جانب آخر من شخصيته، الذي يكشف عن نرجسيته المقنعة. فقد أظهرت سلوكياته أنه يعاني من نرجسية هشة، يحاول فيها أن يظهر كمناضل في وجه الفساد، رغم أنه في الواقع يعيش في فقاعة من الأوهام حول كونه ضحية مستمرة. هذا الصراع الداخلي، الذي يفرضه على نفسه، يدفعه للتمسك بصورة “البطل”، بينما يعكس في الوقت ذاته اضطرابًا نفسيًا عميقًا.
أما بالنسبة لسجالاته المتكررة مع الصحافيين وزملائه، فإنها تكشف عن شخص لا يعرف الاستقرار النفسي إلا وسط الصراع. فالمهداوي لا يشعر بالسلام الداخلي إلا عندما يكون في قلب معركة كلامية أو شجار لفظي. وعليه، فإن الهدوء بالنسبة له يُعدّ حالة من الفراغ والضياع، ما يجعله يتنقل من معركة إلى أخرى، سواء ضد السلطة أو حتى ضد أفراد عائلته. وهو لا يتوانى عن نشر الفوضى اللفظية، حتى في دوائر حياته الخاصة، مثلما حدث في قضايا أسرية تناقلها الإعلام, بخصوص طليق أخته!
في النهاية، لا يمكن النظر إلى سلوكيات المهداوي إلا على أنها جزء من رحلة طويلة يمر بها شخص في مواجهة عميقة مع ذاته. فهو يعيش في فقاعة من الأوهام والتضارب النفسي، في حين أن كل ما يفعله هو البحث عن اعتراف الآخرين به، سواء من خلال تبرير الشتائم أو إظهار نفسه كمناضل ضد الفساد. ومن هنا، أصبح المهداوي نموذجًا لشخص لا يستطيع أن يعيش إلا في أجواء من الصراع المستمر، غير قادر على التعايش مع ذاته إلا عبر الجدال المستمر.
ورغم كل تصرفاته الهزلية والعبثية، يظل المهداوي بحاجة ماسة إلى علاج نفسي، حيث يجب أن يُحال إلى متخصصين في المجال بدلاً من الاستمرار في تعميق هذه الفوضى اللفظية التي تزداد تعقيدًا مع الوقت. كما يقول المثل: “رحم الله من عرف قدر نفسه”. والمهداوي، مع الأسف، يعرف قدره جيدًا ولا يخجل من التصريح به علنًا، كما يعترف، بكل فخر، بأنه “ولد لحرام مقطر”.