اوسار أحمد/
غانا اختارت موقعها. أنهت عقودًا من المراوحة، وتخلّت عن جمهورية وهمية لم تقدّم شيئًا للقارة سوى مزيد من الانقسام. باعترافها العلني بسيادة المغرب على صحرائه، التحقت أكرا بمعسكر الشرعية والواقعية السياسية، وأكدت أن الحل الوحيد الدائم هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
القرار لم يأتِ من فراغ. جاء بعد أيام فقط من إعلان بريطانيا الداعم للوحدة الترابية للمملكة، ثم بعده مباشرة موقف كينيا باعترافها الرسمي بمغربية الصحراء، تسلسل زمني غير عفوي. مؤشر على زخم دبلوماسي يتسارع، ويحمل في طياته تحولات عميقة في خريطة المواقف الدولية.
وزير الخارجية الغاني، صامويل أوكودزيتو أبلاكوا، عبّر من الرباط بلغة واضحة: لا مكان للأوهام، الحكم الذاتي هو الطريق الواقعي. هذا ليس مجرد تصريح رسمي، بل تتويج لتحول استراتيجي طويل بدأ منذ سنوات، تعزز بعد انتخابات دجنبر الأخيرة، واستُكمل اليوم بلقاء رسمي في عاصمة المغرب.
المغرب كسب هذه الجولة بنفس طويل، وبسياسة دبلوماسية هادئة لكنها فعالة. دبلوماسية مبنية على الإخاء، التعاون، الوضوح، والاحترام المتبادل. لا تُمارس الابتزاز، ولا تعبث باستقرار الدول الأخرى. عكس ما تقوم به الجزائر، التي بنت سياستها الإفريقية على التدخل، دعم التنظيمات الانفصالية، وتغذية الصراعات باسم شعارات قديمة انتهت صلاحيتها.
ذاكرة الرباط ما زالت تتذكر جرح 2022، حين انسحبت كينيا من اعترافها بعد ضغط جزائري جنوب إفريقي. لذلك، تعاملت غانا بذكاء. انتظرت التنصيب، رتّبت الموقف داخليًا، ثم أعلنته من أرض المغرب. هذه لحظة نضج دبلوماسي، وانتصار للثبات المغربي على المسار.
ردّ الفعل الشعبي في المغرب كان تلقائيًا. أعاد تداول مقولة “معانا ولا مع غانا” مع تعليق يوحي بالمستجد ” راه حتى غانا معانا”، تعبير عن شعور جماعي بأن كل بلد يصحّح موقفه، يساهم في استقرار القارة واحترام سيادة الدول.
وراء هذا الحدث أيضًا عمق تاريخي. العلاقة بين المغرب وغانا لا تبدأ من اليوم. من قوافل الذهب والملح إلى الروابط الثقافية والدينية، كان المغرب بوابة لانتقال الإسلام والتجارة نحو غرب إفريقيا. وهذا العمق الحضاري عاد اليوم بشكل عملي، من خلال تقاطع المصالح والرؤى السياسية.
الرسالة وصلت. الدول الإفريقية بدأت تعيد حساباتها. لغة الواقعية تفرض نفسها على شعارات الانفصال. والمغرب يربح، لأنه لا يراهن على الضجيج، بل على التراكم، الثقة، والعمل المشترك.