اوسار أحمد
في بداية القرن العشرين، عاش المغرب واحدة من أبشع الجرائم التي هزت مدينة مراكش. كانت المدينة تعيش أوقاتًا مضطربة، حيث اجتمعت الأوبئة والمجاعة والتمردات القبلية، لكن ما لم يكن متوقعًا هو أن يظهر قاتل متسلسل يستهدف النساء بطريقة وحشية. كان الحاج محمد المسفيوي، رجلًا بسيطًا يعمل إسكافيًا وكاتبًا عموميًا، لكن خلف هذه الواجهة، كان يخفي سلسلة من الجرائم البشعة التي جعلته أول قاتل متسلسل موثق في تاريخ القضاء المغربي.
لسنوات، اختفت العديد من الفتيات الشابات في مراكش دون أن يُعرف مصيرهن. لم تكن هناك أدلة واضحة، ولم يكن أحد يشتبه في أن الجاني كان شخصًا معروفًا في الحي. كان المسفيوي يستدرج ضحاياه إلى دكانه بحجة إصلاح أحذيتهن أو مساعدتهن في الكتابة، ثم يقوم بتخديرهن وقتلهن بدم بارد. لم يكن يعمل بمفرده، بل ساعدته سيدة عجوز تبلغ من العمر 70 عامًا، حيث كانت تستدرج الضحايا وتساعده في التخلص من الجثث.
عند تفتيش دكانه، اكتشفت السلطات بئرًا مخبأً بداخله 20 جثة مقطوعة الرأس. لم يكن هذا كل شيء، فبعد البحث في منزله المجاور للدكان، تم العثور على 16 جثة أخرى مدفونة في الحديقة. صُدم سكان مراكش عندما علموا أن القاتل كان يعيش بينهم، ولم يشكوا فيه أبدًا. أمام هذه الأدلة الدامغة، لم يجد المسفيوي وشريكته خيارًا سوى الاعتراف بجرائمهم، موضحين أن الدافع الرئيسي كان السرقة.
في 11 يونيو 1906، حوكم المسفيوي علنًا. انتفض السكان وطالبوا بصلبه حتى الموت، لكن السلطات لم تتعجل في تنفيذ الحكم، وقررت إخضاعه لعقاب طويل أمام العامة. يوميًا، كان يُجلد في الساحات العامة، ثم يُضرب بعصا مسننة. ظل هذا الحال مستمرًا حتى 13 يونيو 1906، عندما صدر القرار النهائي بدفنه حيًا والبناء عليه واقفًا، لينتهي بذلك فصل دموي من تاريخ مراكش.
أثارت القضية رعب سكان المدينة، ودفعت السلطات إلى تعزيز الأمن، خاصة فيما يتعلق بمراقبة الأنشطة الإجرامية المشبوهة. أصبحت النساء أكثر حذرًا عند التعامل مع الغرباء، وأصبح من الصعب الوثوق بأي شخص بسهولة. رغم مرور أكثر من قرن على هذه الجرائم، لا تزال قصة الحاج محمد المسفيوي تُروى كتذكير بمدى وحشية الإنسان عندما يكون مدفوعًا بالجشع وانعدام الرحمة. يبقى السؤال: كيف يمكن لمجتمع أن يكشف مثل هؤلاء القتلة قبل فوات الأوان؟