راديو إكسبرس
البث المباشر
برايان هِل : مدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، هو أستاذ علوم الاقتصاد والقرار والمدير الأكاديمي لمركز الاقتصاد الشامل التابع لمدرسة التجارة العليا في باريس HEC.
مستقبل الصفقة الخضراء الأوروبية يبدو قاتما. ذلك أن التصويت المرتقب على حزمة المفوضية الأوروبية “الشاملة” ــ المتوقع في غضون أيام ــ يَـعِـد بتأكيد التراجع عن ركيزة الإفصاح التي تقوم عليها الصفقة الخضراء، أو التوجيه الخاص بإعداد تقارير استدامة الشركات (CSRD).
وخطوط المعركة مألوفة. فعلى أحد الجانبين يقف أولئك الذين يركزون في المقام الأول على تعزيز نمو أوروبا وقدرتها التنافسية، مستجيبين لتحذير رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي من أن “التقاعس عن العمل” في هذه المجالات يهدد سيادة الاتحاد الأوروبي. وعلى الجانب الآخر نجد الملتزمين بحماية البيئة ورفاهة الإنسان ــ وهما من الأهداف التي تدعمها الغالبية العظمى من مواطني الاتحاد الأوروبي وشركاته. بعبارة أخرى، هذا صدام بين الرخاء والمبادئ.
ولكن لا ينبغي للأمور أن تكون على هذه الحال بالضرورة. فكما تُظهر ورقة سياسات جديدة صادرة عن مدرسة التجارة العليا في باريس (HEC Paris)، تستطيع أوروبا أن تحقق أهداف الاستدامة دون التضحية بالقدرة التنافسية. والمفتاح إلى تحقيق هذه الغاية يتمثل في تحويل تركيز قواعد الإفصاح من الشركات إلى المنتجات.
المنطق بسيط. فإذا كانت معايير الإفصاح تنطبق على ما يُـباع، وليس على من يبيعه، فسوف يخضع كل منتج، سواء كان مصنوعا في بوسطن، أو برلين، أو بكين، للقواعد ذاتها. وفي وقت حيث تضغط الولايات المتحدة لمنح الشركات الأميركية استثناءات فيما يرتبط بالإبلاغ عن الاستدامة، فإن هذا يضمن تكافؤ الفرص، حيث لن تظل الشركات الأوروبية مضطرة إلى تحمل أعباء امتثال أثقل مقارنة بمنافسيها الأجانب.
قد يدّعي المنتقدون أن تنفيذ هذا المخطط سيكون في حكم المستحيل، لأن معلومات الاستدامة على مستوى المنتج غير كافية على الإطلاق في الوقت الحالي. لكن ورقة HEC Paris البحثية، التي تستند إلى خبرات متعددة التخصصات ومدخلات من مجموعة من أصحاب المصلحة، تقدم حلا: بطاقة أداء رقمية موحدة لكل منتج، مع إدراج مؤشرات الاستدامة الرئيسية، مثل البصمة الكربونية، والتأثير على التنوع البيولوجي، وسجل حقوق الإنسان.
وعلى غرار جداول التغذية، ستوفر بطاقات تقييم استدامة المنتجات معلومات واضحة وموضوعية بطريقة تُـسَـهِّـل المقارنة المباشرة. سوف يكون الإبحار عبر نظام بطاقات الأداء أسهل كثيرا مقارنة بأدغال ملصقات الاستدامة الحالية ــ التي يوجد منها الآن أكثر من 450، ولكل منها قواعدها المبهمة. في نهاية المطاف، سيحقق هذا النظام لاستدامة المنتجات ما حققته معلومات الفواتير المنسقة لأسواق الكهرباء، وما يدّعي التوجيه الخاص بإعداد تقارير استدامة الشركات الحالي أنه يفعل لتعزيز تقارير الشركات: توفير الوضوح.
وعلى هذا فإن بطاقات الأداء ستساهم في اتخاذ قرارات أكثر استدامة من قِـبَـل الهيئات التنظيمية، وصُـنّاع السياسات، والشركات، والمستهلكين. علاوة على ذلك، من خلال الاستفادة من البيانات الأولية، سيخفف نظام بطاقات الأداء من عبء إعداد التقارير الملقى على عاتق الشركات. الواقع أن شركات كبرى عديدة تطلب من الموردين بالفعل مزيدا من البيانات على مستوى المنتج. ومن شأن بطاقة الأداء الموحدة أن تعمل على تعميم وأتمتة تبادل المعلومات على هذا النحو، مع تدفق بيانات الاستدامة بحرية على طول سلاسل التوريد. وبمجرد دمج بطاقات أداء الاستدامة في برامج المحاسبة، وكشوف الرواتب، والمخزون، يصبح إعداد التقارير خاليا من العيوب تقريبا.
لن تواجه الشركات أي التزام قانوني بالإبلاغ، الأمر الذي يجعل الاقتراح مجديا من الناحية السياسية في وقت حيث تشهد الولايات المتحدة معارضة قوية لمتطلبات الإبلاغ. لكن تصميم النظام يضمن أن رفض الامتثال لن يحمي الشركة من التدقيق. فسوف تُظهر بطاقة الأداء بوضوح موضع نقص المعلومات، وسوف تعرض بدلا من ذلك أفضل إلى أسوأ النطاقات للمنتج ونوع المنتج، والتي ستكون مرئية لمستهلكي المنتجات النهائية.
تُظهر عقود من الأبحاث السلوكية أن الناس، عندما يُعرض الافتقار إلى الشفافية بشكل واضح، يفسرون ذلك بشكل سلبي. فإذا رفضت شركة ما مشاركة المعلومات حول سجلها في مجال حقوق الإنسان، سيفترض المستهلكون أن سجلها ليس جيدا. وفي سوق حيث يستطيع هؤلاء المستهلكون بسهولة رؤية سجلات منافسي هذه الشركة، لن يكون الصمت إشارة واضحة فحسب، بل سيكون أيضا باهظ التكلفة. وعلى هذا فإن الشركات، أينما كان مقرها، ستتعلم بسرعة أن الإفصاح عن سجلها يجعلها في حال أفضل.
في حين أن مخاوف أوروبا بشأن القدرة التنافسية مفهومة، فلا يجوز لنا أن ننسى أن التقاعس عن مواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية ينطوي أيضا على تكاليف اقتصادية باهظة. فوفقا لوكالة البيئة الأوروبية، كلفت الحرارة الشديدة، والفيضانات، وغيرها من الأحوال الجوية القاسية الاتحاد الأوروبي 44.5 مليار يورو (51.8 مليار دولار أميركي) في هيئة خسائر اقتصادية سنوية في الفترة 2020-2023. وبدلا من الاستسلام لإغراء خنق نظام الإفصاح الناشئ، بوسع الكتلة أن تتمتع بالقدرة التنافسية والاستدامة على حد سواء من خلال ابتكار نظام جديد يعتمد على بطاقات تقييم المنتجات. وبالاستعانة بالتصميم الصحيح، فإن هذا من شأنه أن يمكّن الاتحاد الأوروبي ليس فقط من الحفاظ على معاييره في الداخل، بل وأيضا من إبرازها على الصعيد العالمي.
![]()









