عذراً، يجب أن يتوقف هذا السجال!

عذراً، يجب أن يتوقف هذا السجال!

- ‎فيسياسة, واجهة
Capture decran 2025 12 25 122123

راديو إكسبرس

البث المباشر

 

نجيبة جلال /

حين يتحول الخلاف بين فاعل سياسي وإعلامي إلى تعميم يمس قطاعاً بأكمله، نكون أمام انزلاق غير مقبول في النقاش العمومي. فالصراع، إن وُجد، يظل شخصياً أو ظرفياً، ولا يجب أن يُسقط على الصحافة كقطاع أو على الإعلام كمؤسسة مجتمعية. عذراً، يجب أن يتوقف هذا السجال عند هذا الحد، لأن توسيع دائرة الخلاف يسيء إلى الجميع ولا يخدم أي مصلحة عامة.

وصف الصحافيين بعبارات من قبيل الفراقشية، أو اختزال الدعم العمومي في كونه علفاً، لا يعكس اختلافاً سياسياً صحياً، بل يعكس تراجعاً في مستوى الخطاب. فالصحافة ليست طرفاً في نزاع سياسي، ولا أداة في معركة شخصية. هي وظيفة مجتمعية تضطلع بدور المراقبة وطرح الأسئلة وكشف الاختلالات، وقد تكون مزعجة حين تؤدي هذا الدور، لكن الإزعاج لا يبرر الإهانة ولا التبخيس.

من حق أي سياسي أن ينتقد صحافياً بعينه، أو مضموناً إعلامياً محدداً، وأن يرد أو يحتكم إلى القضاء عند الاقتضاء. غير أن هذا الحق يفقد مشروعيته حين يتحول إلى تعميم يمس كرامة مهنة بأكملها، أو حين يُستعمل خطاب يُفرغ النقاش من مضمونه الديمقراطي.

ويفرض المنطق طرح سؤال جوهري: إذا كان الدعم العمومي الموجه للصحافة يُنظر إليه باعتباره علفاً، فكيف يتم توصيف دعم الدولة للأحزاب، وتمويل الحملات الانتخابية، وتعويضات المنتخبين؟ أليست الفلسفة واحدة في الحالتين؟ فالدعم العمومي، سواء تعلق بالإعلام أو بالعمل الحزبي، يهدف إلى ضمان التعددية والاستمرارية، لا إلى شراء الولاءات أو تحويل القطاعات إلى توابع.

الأخطر في هذا السجال أنه يأتي في لحظة دقيقة، حيث يقبل المغرب الصاعد على رهانات كبرى سياسية واقتصادية ومؤسساتية وإعلامية. رهانات تتطلب نقاشاً مسؤولاً وخطاباً رصيناً وتكاملاً بين الفاعلين، لا صراعات هامشية تُستنزف فيها الطاقات وتُشوَّه فيها القطاعات.

الخطاب القائم على التبخيس والإهانة لا يخدم لا السياسة ولا الإعلام. فهو يسهل السب ويعقّد النقاش، ويغذي نزعة شعبوية تضر بصورة العمل العمومي، وتعمق فقدان الثقة في المؤسسات وفي الفعل السياسي نفسه.

لا أحد يطالب السياسيين بمحبة الصحافة أو الدفاع عنها. المطلوب فقط احترام قواعد التفاعل الديمقراطي. نقد محدد يقابله رد مسؤول، واختلاف يُحتكم فيه إلى القانون، مع الحفاظ على الكرامة المهنية باعتبارها خطاً أحمر. لأن إضعاف الصحافة اليوم هو إضعاف لأحد أعمدة التوازن غداً.

الصحافة، بكل ما تعرفه من اختلالات، ستظل فضاءً للنقاش والمساءلة وكشف الحقائق. وستبقى شريكاً ضرورياً في بناء مغرب قوي وواثق من نفسه. أما السجالات الصغيرة التي تُدار بلغة الإهانة، فلن تصمد أمام حجم التحديات الكبرى التي تنتظر هذا الوطن.

لسنا علفاً لأحد، ولسنا طرفاً في معارك شخصية. نحن جزء من نقاش وطني أوسع، ورهاننا جميعاً أن يكون هذا النقاش في مستوى مغرب ينهض ويستحق خطاباً أرقى من هذا السجال.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *