راديو إكسبرس
البث المباشر
اوسار احمد
تنتشر في مدن مغربية كبرى مثل مراكش والقنيطرة وطنجة، شبكات سرية للدعارة الرقمية تعتمد على تطبيقات ذكية ومجموعات مغلقة على الإنترنت، تشكل شبكة معقدة من الاستغلال الجنسي، يستفيد منها شبكات محترفة تشتغل بصمت بعيداً عن أعين الأمن والقضاء، مستغلة هشاشة الفتيات والقاصرين في مجتمع يعاني من فراغ قانوني وعدم حماية كافية.
تتواصل العمليات عبر تطبيقات مثل واتساب وتيليغرام وتيندر، حيث يُعرض على الفتيات الدخول في “عمل” براتب سريع، قبل أن يتحول الأمر إلى استغلال، وابتزاز، وتهديد بنشر صور وفيديوهات.

شهادات تكشف الوجه المظلم
سارة، شابة في السادسة والعشرين من عمرها من مراكش، تحدثت لـ”اكسبريس تيفي” عن رحلتها التي بدأت بعمل بسيط في تصوير فيديوهات مقابل مال، وانتهت بدخولها في شبكة معقدة من الدعارة الرقمية.
“كانوا يقولون لي أن الأمر بسيط، فقط تصوير مكالمات فيديو، ثم بدأ الزبائن يطلبون اللقاءات المباشرة. بعد أول لقاء، أُجبرت على الاستمرار، وهددوني بنشر مقاطع خاصة بي إذا رفضت”.

انتصار من القنيطرة، 24 سنة، تعرضت لنفس المصير. عبر تيندر، تواصل معها شخص عرض عليها الخروج معه في نزهة مقابل مبلغ مالي، لكنه سرعان ما طلب منها صوراً خاصة، ثم بدأ الابتزاز عبر مجموعات سرية على الإنترنت.
“كان المبلغ الذي أتقاضاه مقابل كل لقاء بين 300 و500 درهم، وكل شيء يُدار عبر التطبيقات.
مريم، طالبة جامعية تبلغ من العمر 21 سنة، شاركت قصتها لـ”اكسبريس تيفي”، حيث قالت إنّها دخلت عالم التطبيقات بغرض التعارف، لكنها وجدت نفسها مدمنة على المخدرات وواقعة في فخ الدعارة، متأثرة بزميلاتها في السكن الجامعي.
“كنا نستعمل هذه التطبيقات للترفيه، لكن بسرعة تحولت الأمور إلى تجارة بالجسد من أجل ربح المال لشراء الملابس والمكياج، والتفاخر أمام الآخرين. الآن أواجه إدمانًا لا أستطيع التخلص منه بسهولة”.
أما محمود، شاب من طنجة، فقد وقع ضحية عملية استدراج عبر تطبيق للتعارف، قبل أن يجد نفسه في شقة مع ثلاثة أشخاص اعتدوا عليه وسرقوه.
“ظننت أن الأمر لقاء عادي، لكن عندما دخلت الشقة، حاصروني واعتدوا عليّ سرقوا ما معي من مال وهاتفي وهددوني بالفصيحة اذا تقدمت بشكاية”.
الصمت قيد جديد على الضحايا
الكثير من الضحايا يفضلون الصمت وعدم التبليغ عن ما تعرضوا له من استغلال أو ابتزاز رقمي بسبب الخوف من الفضيحة. هذا الخوف يسيطر على الضحايا، خصوصاً النساء والفتيات، لأنهن يدركن أن المجتمع لا يرحم، وسيوجه إليهن أصابع الاتهام بدل التعاطف معهن. الصورة النمطية الجاهزة تعتبر أن الضحية هي المسؤولة لأنها تواصلت مع غرباء أو شاركت صورها، حتى لو كان ذلك تحت الإكراه أو الخداع.
الضغط لا يأتي فقط من المجتمع، بل أيضاً من الأسرة التي تخشى العار وتفضل إخفاء القصة بدل مواجهة المحيط. كثير من الأسر تفرض على الضحايا التزام الصمت خوفاً على سمعة العائلة. هذا الصمت يُطيل معاناة الضحايا ويدفعهم أحياناً للانطواء أو التفكير في الهروب وحتى الانتحار في حالات متطرفة.
في المقابل، يستغل المبتزون خوف الضحايا، ويعرضونهم للمزيد من الابتزاز والاستغلال . هذا الواقع يكشف غياب حماية نفسية ومرافقة اجتماعية فعلية للضحايا، سواء من طرف الأسرة او الهيئات المدنية أو من خلال مؤسسات الدعم، ما يجعل المتورطين يتحركون بحرية دون خوف من العقاب
الفراغ القانوني.. عقبة أمام المواجهة

المحامي الياس.ح أوضح لـ”اكسبريس ايفي” أن القانون المغربي ما زال يعالج الدعارة في شكلها التقليدي، كما انه يتضمن مواداً واضحة للتعامل مع استغلال الوسائط الرقمية في هذه الظاهرة.
“عدم وجود نصوص صريحة يجعل من الصعب محاكمة المتورطين في الدعارة الرقمية، خصوصاً إذا لم يكن هناك لقاء مادي أو دليل قاطع على الفعل الجنسي”، قال الياس، مضيفاً أن الابتزاز الرقمي يتابع تحت فصول عامة لا تغطي خصوصيات الدعارة الرقمية.
الياس أوضح أن المتورطين في شبكات الدعارة الرقمية يواجهون عدة تهم رغم غياب نص قانوني صريح يجرم الظاهرة بشكل مباشر. أوضح أن القضاء يعتمد على تكييف الأفعال المرتكبة وفق المقتضيات القانونية المتوفرة، حيث يُتابع المتورطون بتهم تكوين عصابة إجرامية، التحريض على الفساد والدعارة، الابتزاز، والنصب عبر الوسائل الإلكترونية. وأشار إلى أن استغلال القاصرين يفتح باب متابعة المتهمين بتهمة الاتجار بالبشر، وهي جريمة خطيرة يعاقب عليها القانون المغربي بشدة. كما يمكن أن تُضاف تهم انتهاك الحياة الخاصة للأفراد واختراق المعطيات الشخصية، خاصة إذا استُخدمت برامج تجسس أو تطبيقات خبيثة. الياس أكد أن العقوبات تختلف حسب خطورة الأفعال وعدد الضحايا، لكنها تبقى محدودة في ظل غياب قانون واضح يضبط ممارسات الاستغلال الرقمي في مجال الدعارة.
التأثير النفسي والاجتماعي على الضحايا
الخبير التربوي ادريس طيطي حذر من تداعيات هذه الظاهرة على صحة الشباب النفسية والاجتماعية.
“القاصر الذي يتعرض للاستغلال الرقمي يعاني من صدمات نفسية عميقة، منها الانطواء والقلق والاكتئاب، وقد يفقد الثقة بالمحيط الأسري والمجتمعي، ما يزيد من هشاشته ويجعله عرضة للاستغلال المتكرر”.
وأشار طيطي إلى أن المجتمع المدني يعمل على تنظيم ورشات توعية وتعليم حول حماية الخصوصية الرقمية، لكنه أكد أن ذلك لا يكفي دون تدخل رسمي من وزارة التربية الوطنية لدمج التربية الرقمية في المناهج.
آثار نفسية عميقة وتجاهل الدعم يزيدان معاناة ضحايا الدعارة الرقمية

الأخصائي النفسي م.خ أكد أن الدعارة الرقمية تترك آثاراً نفسية عميقة على الضحايا، خصوصاً القاصرين. قال إن الابتزاز والتهديد المستمر يسبب لهم شعوراً دائمًا بالخوف والضغط النفسي، مما يؤدي إلى اضطرابات مثل الاكتئاب والقلق والانعزال الاجتماعي. وأضاف أن هذه الحالة النفسية تضعف قدرة الضحية على طلب المساعدة أو الإفصاح عما تعرض له، ما يزيد من تفاقم المشكلة. وأوضح أن الدعم النفسي المبكر ضروري جداً للضحايا، إلى جانب برامج إعادة التأهيل التي تساعدهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم وبالبيئة المحيطة. كما نبه إلى أن الوقاية تبدأ بتوعية الأسر والمدارس حول مخاطر الاستخدام السيء للتقنيات الرقمية.
الجانب التقني.. باب سهل للابتزاز والاختراق
الخبير في الأمن الرقمي حسن خرجوج حذر من خطورة تطبيقات التعارف والدردشة التي أصبحت تهديداً حقيقياً لمستعمليها. أوضح أن المستخدم معرض دائماً لخطر الابتزاز والتشهير بمجرد مشاركة صور أو معلومات شخصية.
وأشار إلى أن بعض الأشخاص ذوي النوايا الخبيثة يطورون تطبيقات مزيفة أو يدمجون برامج خبيثة داخل التطبيقات الأصلية، ما يسمح لهم باختراق هواتف الضحايا وسرقة معطياتهم الخاصة دون علمهم.
خرجوج شدد على أهمية الحذر وعدم تحميل تطبيقات مجهولة المصدر أو مشاركة أي معطيات حساسة عبر الإنترنت، لأن الهجوم قد يحدث في أي لحظة دون سابق إنذار.
مجهودات الدولة المغربية لردع الجريمة الإلكترونية والتشهير

يبذل المغرب مجهودات متصاعدة لمحاصرة الجريمة الإلكترونية وجرائم التشهير، عبر مسارات قانونية وأمنية وتوعوية متكاملة. الدولة عززت الإطار التشريعي بتجريم التشهير الإلكتروني صراحة في القانون الجنائي، مع عقوبات تشمل السجن والغرامة. كما انضمت إلى اتفاقية بودابست وبروتوكولها الإضافي لتأطير التعاون الدولي في ملاحقة المجرمين السيبرانيين، وهو ما يتيح للمغرب تبادل الخبرات والمعلومات مع شركائه الدوليين.
في الميدان الإعلامي، يفرض قانون الصحافة والنشر قيودًا واضحة على نشر الأخبار الكاذبة والتحريض الرقمي، مما يقلص من هامش الإفلات من العقاب في الجرائم التي تمس شرف الأشخاص عبر الإنترنت.
على المستوى الأمني، أنشأت المديرية العامة للأمن الوطني وحدات مختصة في رصد وتتبع الجريمة الإلكترونية، مع تطوير منصة “إبلاغ” التي تُمكن المواطنين من التبليغ عن المحتويات غير المشروعة بشكل مباشر. هذه المنصة صارت أداة عملية لربط المواطن بمصالح الأمن دون تعقيدات إدارية.
المغرب يواصل أيضًا تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، عبر الانخراط في اتفاقيات وشراكات تتيح ملاحقة الشبكات العبر-وطنية التي تمارس الابتزاز والتشهير الرقمي.
إلى جانب ذلك، تُطلق السلطات حملات تحسيسية لرفع وعي المغاربة بمخاطر الجرائم الإلكترونية، ولتشجيعهم على الإبلاغ وعدم الاستسلام لضغوط المبتزين. ورغم هذه الجهود، يبقى السؤال مفتوحًا: لماذا لا تزال نسبة التبليغ ضعيفة أمام اتساع الظاهرة؟
![]()










تنبيهات : تفاصيل تفكيك شبكة لتصوير أفلام إباحية داخل شقق مفروشة بالقنيطرة | اكسبريس TV