أوسار أحمد يكتب.. ما بين السطور في رسالة ترامب

أوسار أحمد يكتب.. ما بين السطور في رسالة ترامب

- ‎فيدولي, رأي, واجهة
IMG 20250803 WA0061

راديو إكسبرس

البث المباشر

 

اوسار أحمد/

في سياق التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، تأتي الرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، لتشكل لحظة سياسية مفصلية تؤكد أن ملف الصحراء المغربية لم يعد موضوع نزاع قابل للتفاوض، بل قضية محسومة باعتراف أقوى دولة في العالم بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

الرسالة تحمل طابعاً يتجاوز المجاملة الدبلوماسية المعتادة، وتؤكد استمرارية موقف الإدارة الأمريكية، الذي تم الإعلان عنه سنة 2020، حين اعترفت الولايات المتحدة، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء. الجديد في مضمون هذه البرقية لا يقتصر فقط على إعادة التأكيد، بل يشمل تحصين هذا الموقف، عبر ربطه بثوابت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة، وخاصة في ملفات التعاون الأمني، ومحاربة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

حين يشير ترامب في رسالته إلى أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب هي الحل الوحيد الجاد وذو المصداقية لتسوية النزاع، فهو لا يعبر عن رأي شخصي، بل عن قناعة راسخة داخل مؤسسات القرار الأمريكي. هذا الموقف يقوّض عملياً كل الأطروحات الانفصالية، ويضع حداً نهائياً لأي قراءة خاطئة لمسار المفاوضات الأممية، التي لم تعد تبحث عن تسوية بين طرفين، بل عن صيغة لتفعيل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

الرسالة تحمل أبعاداً متعددة. أولاً، هي رسالة رفض صريح لأي خيار سياسي خارج الإطار الذي حدده المغرب. ثانياً، هي ورقة ضغط استباقية في أفق مناقشات مجلس الأمن الدولي المرتقبة في أكتوبر، حيث من المرتقب أن تلعب الولايات المتحدة دوراً مركزياً في صياغة القرار الأممي المقبل حول الصحراء. ثالثاً، هي رسالة موجهة بشكل غير مباشر للجزائر، في توقيت حساس يتزامن مع التحركات الإقليمية لمسعد بولس، مستشار ترامب لشؤون شمال إفريقيا، والذي قام بزيارة للجزائر، في انتظار حلوله بالمغرب.

الأثر السياسي للرسالة يتجاوز بعدها الرمزي. فهي تأتي في وقت تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية في المنطقة، وتتصاعد فيه رهانات القوى الكبرى على النفوذ في شمال وغرب إفريقيا. في هذا السياق، يعكس الموقف الأمريكي إدراكاً متزايداً للدور الذي يلعبه المغرب كفاعل إقليمي موثوق، قادر على تأمين الاستقرار ومحاربة التطرف، وعلى تقديم نموذج ناجح للتنمية في بيئة إقليمية هشة.

الرسالة تؤكد أن قضية الصحراء ليست ورقة تفاوض، بل ورقة سيادة. المغرب اليوم لا يدافع عن حقه، بل يفرضه بالاعتراف والدبلوماسية والشراكات الاستراتيجية. ومن يتأمل المسار الذي قطعه ملف الصحراء في العشرين سنة الأخيرة، سيدرك أن المغرب لم يحقق فقط تحولات في الميدان، بل فرض واقعاً قانونياً ودبلوماسياً لم يعد من الممكن تجاهله.

بهذا المعنى، لا يمكن قراءة رسالة ترامب بمعزل عن التراكم الذي راكمه المغرب، من خلال سياسة خارجية هادئة، ولكنها حازمة، ومرتكزة على شرعية تاريخية وقانونية، مدعومة بواقع ميداني وتنموي في الأقاليم الجنوبية. إنها ليست مجرد تهنئة بروتوكولية، بل تموقع واضح في معادلة إقليمية، تُدار اليوم بمعايير جديدة، تحكمها القوة الناعمة، ووضوح المواقف، وحسم الخيارات.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *