راديو إكسبرس
البث المباشر
ديفيد ميليباند : وزير الخارجية البريطاني الأسبق، هو رئيس لجنة الإنقاذ الدولية ومديرها التنفيذي.
منذ يناير، انقلب الدور الذي تضطلع به أميركا في مجال المساعدات الدولية رأسا على عقب، مع إغلاق المؤسسات، وإلغاء السياسات، وخفض التمويل. ومن غير الواضح الآن ماذا ينتظر السياسة الأميركية، أو نظام المساعدات الدولية، أو أفقر الناس في العالم. كل ما نعرفه عن يقين هو وجود فجوة هائلة يجب سدها.
الواقع أن الوضع شديد الإلحاح. مؤخرا، راجع البنك الدولي تقديراته للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع (بأقل من 3 دولارات في اليوم) ليرتفع عددهم إلى 831 مليون شخص ــ أي حوالي 10% من سكان العالم. الواقع أن أكثر من نصف المنتمين إلى فئة الفقر المدقع على مستوى العالم يعيشون الآن في دول هشة متأثرة بالصراعات، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى الثلثين في السنوات الخمس المقبلة. ويعيش ما يقرب من 40% من سكان هذه البلدان بالفعل على أقل من 3 دولارات في اليوم، مقارنة بنحو 6% في الاقتصادات النامية الأخرى.
في هذا السياق، عكفت منظمتي، لجنة الإنقاذ الدولية (IRC)، على دراسة الأرقام لتحديد الدول الأكثر احتياجا للمساعدات. وتوصلنا إلى قائمة من 13 دولة، تتصدرها السودان، موطن أكبر أزمة إنسانية في العالم. وفي حين يعيش 29% من المنتمين إلى فئة الفقر المدقع على مستوى العالم في هذه البلدان الأكثر تضررا بالصراعات، فإن 9% فقط من المساعدات الدولية تخصص لهم، وهذا يعني فجوة تمويلية بقيمة 35 مليار دولار.
منذ غزو روسيا الشامل لأوكرانيا في عام 2022، أصبحت أوكرانيا أكبر متلقٍ للمساعدات العالمية. علاوة على ذلك، تنفق الدول الأوروبية بشكل متزايد الأموال المصنفة على أنها “مساعدات خارجية” على إدماج اللاجئين في الداخل. وتمثل هذه النفقات الآن حوالي 14% من إجمالي فاتورة المساعدات العالمية، أي ما يعادل تقريبا كل ما يُـنفَق على المساعدات الإنسانية.
لذا، فحتى من دون خفض التمويل الأميركي، تظل الحاجة قائمة إلى فِـكر جديد حول كيفية عمل قطاع المساعدات. أولا، ينبغي لنا أن نركز المساعدات الممنوحة ــ التي تمثل أكثر من 90% من ميزانية المساعدات العالمية (والباقي قروض ميسرة) ــ على أفقر الناس في أفقر الأماكن. وهذا يعني معالجة عدم التطابق بين ما يقرب من 50% من المنتمين إلى فئة الفقر المدقع الذين يعيشون في الدول الهشة والمتأثرة بالصراعات، و25% من ميزانية المساعدات العالمية التي تذهب إلى تلك الدول.
ثانيا، ينبغي لنا أن نخصص الموارد للبرامج القائمة على الأدلة، والمجربة، والفعالة من حيث التكلفة، مثل حملة اللقاحات المجتمعية التي قادتها لجنة الإنقاذ الدولية في شرق أفريقيا، حيث قدمنا أكثر من 20 مليون جرعة مقابل دولارين لكل جرعة. كما اقترحنا بروتوكولا مبسطا لعلاج سوء التغذية المعتدل وسوء التغذية الحاد الشديد. وفي دراستنا التي شملت 27800 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في مالي، حققنا وفورات في التكاليف بنسبة 20% تقريبا. لكن توسيع نطاق تطبيق هذه الأساليب يتطلب تغير عقلية المانحين، بحيث تؤدي جهودهم إلى تعميم النتائج وليس إضعافها.
ثالثا، نحن في احتياج إلى مزيد من الإبداع في البرامج، والتمويل، والتسليم. على سبيل المثال، تستخدم لجنة الإنقاذ الدولية حاليا الذكاء الاصطناعي لتقليص الوقت اللازم لتشخيص جدري القردة في أفريقيا من أسبوعين إلى خمس دقائق، كما أظهرنا كيف من الممكن أن تساعد التكنولوجيا في تحقيق نتائج تعليمية مبهرة للأطفال الذين توقف تعليمهم بسبب النزاعات والكوارث.
بطبيعة الحال، يتطلب الإبداع التزامات جديدة من رأس المال. فالتمويل ضد مخاطر الكوارث، على سبيل المثال التأمين البارامتري الذي يُدفَع بمجرد حدوث مسببات الكوارث عند هطول الأمطار، يؤسس لتدفقات دعم سريعة ويمكن التنبؤ بها. ولكن ينبغي لنا أيضا أن نعمل على إدخال مقايضة الديون في مجال العمل الإنساني. هذه الأساليب استُـخدِمَت بالفعل لتمويل مشاريع تحسين البيئة بقيمة 1.7 مليار دولار أميركي في سبعة بلدان.
رابعا، نحن في احتياج إلى المساءلة عن النتائج، وليس عن المدخلات، من أجل الحد من البيروقراطية، وزيادة المرونة، وتعزيز القيمة مقابل المال، ودفع عجلة الإبداع والابتكار. ينبغي للحكومات والمؤسسات الدولية أن تحذو حذو السويد، التي تحمّلنا المسؤولية عن النتائج التي نحققها. فما يهم هو التحصيل التعليمي، وليس عدد المعلمين الذين جرى تدريبهم، وعدد المواليد الأصحاء، وليس عدد الاستشارات الصحية لحديثي الولادة.
خامسا، يجب أن نعمل على مواءمة عبء المساعدات مع تركيبة الاقتصاد العالمي. تمثل الولايات المتحدة 25% من الدخل العالمي، لكن حصتها من الدخل الوطني المخصص للمساعدات الخارجية لا تتجاوز 0.22%، وهو رقم من المنتظر أن ينخفض بعد التخفيضات الأخيرة. مع ذلك، في استطلاع للرأي أجري في فبراير/شباط، قال حوالي 89% من الأميركيين إن 1% من الميزانية الفيدرالية يجب أن تذهب إلى المساعدات الخارجية. وبما أن هذا الرقم قريب من الرقم الفعلي، فإن الحفاظ على هذا التمويل قد يكون مهمة موحدة لأميركا والأميركيين.
اليوم، لا يتلقى 80% من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد في مناطق الصراع العلاج، وتحدث 60% من الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة في الدول الهشة، ولا يذهب 85 مليون طفل في هذه الدول إلى المدرسة. المساعدات الدولية الفعّالة هي الحل لهذه التحديات وليست المشكلة. الواقع أن الموارد التي تمتلكها البشرية الآن لفعل الخير أصبحت أكثر من أي وقت مضى في تاريخها، وعلى هذا فإن الأمر متروك لنا لاستخدامها بحكمة. إن تخصيص 1% من الميزانية الفيدرالية ليس مبالغة. ومن الممكن استخدام هذه الأموال على خير وجه، ومن مصلحة أميركا أن تفعل هذا. وكلما عَـجَّـلَت به كان ذلك أفضل.
![]()









