مايسة.. بائعة التقارير في أوكار الأفاعي

مايسة.. بائعة التقارير في أوكار الأفاعي

- ‎فيواجهة, رأي
IMG 20250809 WA0070

راديو إكسبرس

البث المباشر

 

احمد بن الهادي/

في زمن تتشابك فيه السياسة بالإعلام، وتختلط فيه مراكز التفكير بالتمويل الغامض، يصبح أي تصريح علني نافذة لفهم ما يجري خلف الكواليس. تدوينة مايسة سلامة الناجي الأخيرة لم تكن مجرد رد انفعالي على منتقديها، بل كانت اعترافًا مفتوحًا بوجود شبكة تمويل وأنشطة غير واضحة، تكفي وحدها لفتح تحقيق عاجل حول جمعية “مركز تفكير المغاربة الجدد” التي ترأسها، وحول طبيعة التقارير التي تعدها، والجهات التي تدفع مقابلها. هنا تبدأ الأسئلة الحقيقية، وهناك يجب أن تبحث الإجابات.

مايسة سلامة الناجي لم تكتب في تدوينتها دفاعًا عن نفسها بقدر ما كشفت، عن غير قصد، معطيات مثيرة وخطيرة تستدعي التوقف عندها. رئيسة الجمعية تقول إنها تتلقى راتبًا شهريًا “ممتازًا” من تمويل هذا المركز، وأنه يُعد تقارير سياسية واقتصادية تُباع لجهات لم تسمها. ما طبيعة هذه الجهات؟ وما مضمون هذه التقارير؟ ومن يشتريها؟ ومن يمول أصلًا هذه الجمعية حتى تكون قادرة على صرف رواتب ضخمة لرئيستها؟

هذه الأسئلة ليست ترفًا صحفيًا، بل هي جوهر النقاش عندما نتحدث عن الشفافية في التمويل والعمل المدني. لأننا أمام حالة غموض تذكرنا بحالات مشابهة عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، حيث ظهر أشخاص بمسارات غير واضحة ثم تبين لاحقًا أنهم على ارتباط بجهات استخباراتية أو مراكز أبحاث أجنبية تمولهم بطرق ملتوية.

يكفي أن نتذكر هشام جيراندو، الذي بدأ مساره بصفته “ناشطًا إعلاميًا”، قبل أن ينكشف ارتباطه بجهات خارجية كانت تمول نشاطه مقابل معلومات وتقارير موجهة. أو الحيجاوي، الذي بنى صورته على أنه محلل وباحث، بينما كانت تقاريره تُستخدم كأداة في يد أجهزة استخباراتية تستفيد من معطياته وتحليلاته لقراءة المشهد السياسي المغربي من الداخل.

اليوم، مايسة سلامة الناجي تقدم لنا معطيات مشابهة، وإن بلغة متفاخرة: مركز تفكير، تقارير سياسية واقتصادية، تمويل كافٍ لتأمين مقر ورواتب، وغياب أي ذكر للجهات الممولة أو المشترية لهذه التقارير. في أي إطار تُعد هذه التقارير؟ هل تخضع لتدقيق أو مراقبة من مؤسسات الدولة؟ أم أنها تُكتب وفق طلبات خاصة تخدم أجندات محددة؟

النقطة الأخطر أن مثل هذه المراكز، في غياب رقابة، تتحول بسهولة إلى منصات لتسريب المعلومات أو توجيه الرأي العام لصالح جهات خارجية، تحت غطاء “البحث الأكاديمي” أو “التحليل السياسي”. وفي حالات أخرى، تُستخدم هذه المراكز كأذرع ناعمة لأجهزة الاستخبارات، تمرر عبرها رسائل أو مواقف سياسية مستترة، أو حتى تُجمع من خلالها معطيات حساسة عن الوضع الداخلي.

غياب الشفافية في تمويل “مركز تفكير المغاربة الجدد” وغياب معلومات واضحة عن أعضائه وأنشطته، يفتح الباب أمام كل الاحتمالات. من هم هؤلاء الأعضاء؟ هل هم باحثون حقيقيون أم أسماء شكلية لإضفاء شرعية على أنشطة المركز؟ وأين تُنشر هذه التقارير؟ هل هي موجهة للعموم أم تُسلم مباشرة لجهات بعينها داخل أو خارج المغرب؟

في سياق كهذا، من حق الرأي العام أن يطالب بفتح تحقيق رسمي في مصادر تمويل هذه الجمعية، طبيعة أنشطتها، الجهات التي تتلقى منها الدعم، والجهات التي تبيع لها تقاريرها. لأننا أمام معطيات تتقاطع مع تجارب سابقة، أثبتت أن بعض الأسماء التي تُسوّق نفسها كمستقلة، ما هي إلا واجهات لمشاريع تمويل سياسي أو استخباراتي.

مايسة قد تقول إنها حرة ومستقلة، لكنها مدينة للرأي العام بتوضيح الحقائق: من يدفع؟ لماذا يدفع؟ وماذا يأخذ بالمقابل؟ دون هذه الإجابات، سيبقى السؤال مفتوحًا، وستظل الشبهات تحوم حول “مركز التفكير” الذي قد يكون، في النهاية، مركزًا لتصفية حسابات سياسية أو تمرير أجندات خفية، تمامًا كما حدث مع جيراندو والحيجاوي.

هذا الملف لا يحتمل المجاملة ولا التغاضي، لأنه يمس جوهر الثقة في العمل المدني والفكري بالمغرب. الشفافية هنا ليست خيارًا، بل ضرورة وطنية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *