الاضراببقلم نجيبة جلال
الإضراب لم يكن يومًا مجرد توقف عن العمل، بل كان أداة تعكس موازين القوى في المجتمع، واليوم ترفع المركزيات النقابية راية الإضراب العام مرة أخرى، ولكن ليس دفاعًا عن مطالب اجتماعية، بل اعتراضًا على قانون الإضراب نفسه. هذا يطرح تساؤلات جوهرية: هل نحن أمام ترافع حقيقي من أجل القانون، أم أن النقابات تحاول استعادة مكانتها بعد أن سلبت منها في نضالات سابقة؟ أم أن الأمر مجرد مناورة استعدادًا لمعركة أكثر تعقيدًا، تتعلق بقانون النقابات؟
قرار الإضراب في 5 و6 فبراير، بدلاً من أن يكون تعبيرًا عن وحدة الصف النقابي، يبرز التشرذم الذي أصبح يميز العمل النقابي في المغرب. فبدلًا من التركيز على أهمية القانون وأبعاده، تستمر النقابات في رفضه دون توضيح إيجابياته التي تعود بالنفع على الشغيلة، ما يثير تساؤلات حول دوافع هذا الإضراب.
الواقع أن قانون الإضراب المعدل يحمل العديد من المكاسب لصالح العمال والنقابات، من أبرزها: أفضلية المقتضيات لصالح الشغيلة في حال التعارض مع التشريعات الأخرى، توسيع تعريف الإضراب ليشمل الدفاع عن الحقوق المعنوية مثل الحريات النقابية، وتوسيع الفئات المشمولة بحق الإضراب لتشمل المهنيين وغير الأجراء. كما تم تقليص آجال التفاوض قبل الإضراب، وفرض حماية أقوى للمضربين من الانتقام والفصل. كل هذه التعديلات تدعم حقوق العمال والنقابات، لكن النقابات لم تُبرز هذه الإيجابيات، بل اختارت التصعيد بالإضراب.
إذن، لا يبدو الإضراب سوى استعراض قوة من النقابات، وكأنه تمهيد لمعركة قادمة، هي معركة قانون النقابات الذي تهدده المركزيات النقابية. هذا القانون المرتقب سيعيد تشكيل النظام النقابي من خلال معايير جديدة للشفافية والتمثيلية والمساءلة، وهو ما قد يهدد الامتيازات التي تتمتع بها النقابات، مثل التفرغ النقابي، الذي أصبح آلية دائمة تتيح استغلال النظام لصالح بعض القيادات.
قانون النقابات قد يحسم مسألة التفرغ النقابي، الذي تحول إلى امتياز غير مؤقت، مما قد يضع بعض القيادات أمام اختبار صعب، سواء في الدفاع عن هذا الامتياز أو قبول الإصلاحات التي قد تغيّر هيكلة العمل النقابي بشكل جذري. وبالتالي، فإن الإضراب الحالي يمكن اعتباره خطوة استباقية لتأمين المواقع النقابية قبل المعركة الأكبر.
لكن في ظل هذا الوضع، يبرز السؤال: إذا كانت النقابات اليوم عاجزة عن قيادة التغيير بل تسعى إلى عرقلته، كيف ستتمكن من مواجهة قانون النقابات الذي يهدد مصالحها؟ في العديد من الأنظمة الديمقراطية، تعد النقابات محركًا رئيسيًا للإصلاح، ولكن في الوقت الراهن، تبدو النقابات وكأنها تخوض معركتها الأخيرة، ليس للدفاع عن حقوق الشغيلة، بل للحفاظ على امتيازاتها.
وفي هذا السياق، تظل النقابات ترفض الانخراط في حوار جاد حول تطوير العمل النقابي وتقديم بدائل حقيقية. بدلاً من ذلك، تُصرّ على اللجوء إلى الإضراب كأداة ضغط، رغم أن الرأي العام أصبح يشكك في قدرتها على إحداث تغيير حقيقي.
إذن، هل سيكون هذا الإضراب بداية لاستعادة النقابات لدورها الريادي في الدفاع عن مصالح الشغيلة؟ أم أنه مجرد تحرك تكتيكي قبل أن تندلع المعركة الحقيقية حول قانون النقابات، الذي سيعيد ترتيب المشهد النقابي؟ النقابات، اليوم، تحت المجهر، وتخشى من الإصلاحات التي ستعيد النظر في هياكلها وامتيازاتها.
معركة قانون الإضراب هي مجرد البداية، والهدف الأكبر سيكون قانون النقابات الذي يهدد **التفرغ النقابي**، الذي يُعتبر من المحرمات لدى بعض القيادات، لأن أي تغيير في هذا الملف قد يهدد امتيازات شخصية وتراتبية داخل المركزيات النقابية.
1 69 زيارة , 1 زيارات اليوم