حين يصبح اللايك أغلى من الفكر: مأساة الوعي المغربي الرقمي

حين يصبح اللايك أغلى من الفكر: مأساة الوعي المغربي الرقمي

- ‎فيواجهة, مجتمع
900500 862d69c9 022f 4d74 929d 492d145a6990

راديو إكسبرس

البث المباشر

في زمنٍ لم يعد فيه الفكر يسمع، ولا القيم ترى، خرج علينا جيلٌ من “المؤثرين” المغاربة يتصدّرون الشاشات الصغيرة، يبيعون الوهم كما تُباع السلع في الأسواق الشعبية، ويُسوِّقون التفاهة كما يُسوَّق الذهب المزيف في الأزقة المظلمة.

لقد تحوّل الفضاء الرقمي بالمغرب، الذي كان يفترض أن يكون منبراً للنقاش، ومجالاً للإبداع، إلى بازارٍ ضخم للضحك المصطنع والإشهار الفارغ، تقوده وجوهٌ لا تُقدِّم علماً، ولا فناً، ولا رأياً، بل فقط استعراضاً رخيصاً للملبس والجسد والحياة الخاصة، تحت شعار “المتابعات أولاً، والكرامة لاحقاً”.

هؤلاء الذين يُسمَّون “مؤثرين”، لا يُؤثرون في شيء سوى في تخدير الوعي الجماعي، ودفن الذوق العام في مقابر النكات المبتذلة والتفاهة المعلّبة. من يتابع محتواهم يدرك أن أغلبهم لا يحمل فكرةً، ولا رؤية، ولا حتى جملة صحيحة لغويًا، ومع ذلك تراهم يملأون الفضاء الإلكتروني ضجيجًا، ويتهافت عليهم المعلِنون كما يتهافت الذباب على السكر الفاسد.
إن ما يجري ليس مجرد “حرية رقمية”، بل هو انفلات أخلاقي وإعلامي يهدد صورة المجتمع وثقافته. حين يصبح “المؤثر” أكثر حضورا من المثقف، وأكثر متابعة من العالم أو المبدع، فذلك يعني أن البوصلة الاجتماعية انحرفت، وأنّ “الخوارزميات” صارت أقوى من “القيم”.

يعيش الشباب المغربي اليوم على وقع “الترند” و”اللايف”، في عالمٍ يقيس النجاح بعدد المشاهدات لا بعدد الأفكار، ويُكافئ من يصرخ أكثر لا من يُفكّر أفضل. إنهم ضحايا منظومة تقدس الصورة وتقصي المضمون، وتُكرّس ثقافة النمط السطحي الذي يبيع الجهل بملامح السعادة.

لقد آن الأوان ليُفتح النقاش بجرأة حول مسؤولية المؤثرين، لا باعتبارهم أحراراً في الفضاء الرقمي، بل باعتبارهم فاعلين يتحمّلون أثرا اجتماعيا وأخلاقيا. التأثير ليس لعبة، والتفاهة ليست حرية. ولعل أخطر ما نعيشه اليوم هو تطبيع التفاهة، حتى صارت تقدم في البرامج التلفزية وتحتفى بها في المهرجانات، كأننا نحتفل بانحدار الذوق الوطني.

أيها المؤثرون، أنتم لستم مجرد ناقلين لمقاطع وصور، أنتم مرآة جيلٍ كامل، ومسؤوليتكم أكبر من “لايك” أو “إعلان ممول”. فإما أن ترفعوا مستوى الخطاب، أو تتركوا المجال لمن لا يستهين بعقل المغاربة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *