لم يكن المغاربة بحاجة إلى أربع سنوات ليكتشفوا ألاعيب حميد المهداوي وتدليسه الممنهج، إذ استغل بساطة العاطفة الشعبية ليروج، بلا خجل، أن تهمته الجنائية كانت ملفقة، وأنها تتعلق بمحاولة إدخال “دبابة”، وهي أكذوبة أقسم عليها بأغلظ الأيمان مدعيًا أنها جاءت في المحاضر الرسمية.
إلا أن الحقيقة التي حاول طمسها لسنوات انكشفت عندما أخرج، على استحياء، محاضر تفريغ مكالماته، محاولًا إيهام الرأي العام بأنها الوثائق التي أدين بها. لكنه، في محاولته التضليلية، تجاهل أن هذه المكالمات تكشف حقيقته؛ فقد تحدث سبع مرات مع شخص مقيم في هولندا، أخبره صراحة أنه ومعية مجموعة من تجار المخدرات، أعدوا الأسلحة وحشدوا الأموال لإغراق الحسيمة في بركة من الدماء. ورغم خطورة ما سمعه، اختار المهداوي التظاهر بعدم الاكتراث، متجاهلًا واجبه في إبلاغ السلطات عن تهديد بهذا الحجم.
السلطات لم تتهمه بإدخال دبابة، بل أدانته بتهمة أخطر: عدم التبليغ عن جناية تمس أمن الدولة. ومع ذلك، استمر في ترويج الوهم، متجاهلًا الأسئلة البديهية: لو كان هذا التهديد يمس بيته أو أسرته، هل كان سيتردد في إبلاغ السلطات؟ كيف يدّعي أنه لم يأخذ تلك المكالمات على محمل الجد، وهو من تحدث مع نفس الشخص مرارًا، في مكالمات طويلة؟ لماذا يصر على الاستهانة بذكاء المغاربة، رغم أن القضاء كان رؤوفًا به مقارنة بخطورة ما فعله؟
المثير للسخرية أن المهداوي، الذي يرفع شعارات الشفافية ويطالب المسؤولين بالإجابة عن كل تساؤلات الرأي العام، يرفض الإفصاح عن ممتلكاته ومصادر ثروته. لو كان صادقًا في ادعاءاته، لأجاب وفنّد كل الشكوك، لكنه اختار درب المراوغة، مدعيًا مظلومية لم تكن يومًا حقيقية.
اعترافه المتأخر بوجود سبع مكالمات يكشف حجم التضليل الذي مارسه، ويحيلنا إلى تساؤل منطقي: هل من الحكمة أن يستمر أي شخص عاقل في محادثة من يتحدث عن أموال وأسلحة وتهديد لأمن المواطنين دون أن يتحرك للإبلاغ؟ ألا يدرك المهداوي أن التلاعب بالقضاء وتشويه الحقائق لن يمحو آثار أفعاله؟
لقد حنث بيمينه أمام المغاربة، ومن حنث لزمه الاعتذار، ليس فقط بكفارة تقليدية، بل بكشف الحقيقة كاملة دون لف أو دوران. ولعل القضاء كان رحيماً معه، أكثر مما يستحق، إذ منح له فرصة لمراجعة نفسه، لكنه اختار طريق الكذب والتضليل.
1 297 زيارة , 1 زيارات اليوم