راديو إكسبرس
البث المباشر
جيسيكا سيدون: المؤسس المشارك لمختبر الهندسة المعمارية المؤسسية، هي كبيرة المحاضرين ومديرة مبادرة أُسرة ديتز للبيئة والشؤون العالمية في كلية جاكسون للشؤون العالمية في جامعة ييل.
مانجانا ميلكوريت: المؤلفة المشاركة الرئيسية لقسم الحوكمة في تقرير نقاط التحول العالمية 2025، هي باحثة في مركز ستوكهولم للمرونة ومعهد الأنظمة العالمية التابع لجامعة إكستر
تكاد العواقب التي تخلفها نقاط التحول المناخية تكون أكبر من قدرتنا على التخيل. الواقع أن مجرد تصور احتمال تَحَوُّل غابات الأمازون المطيرة في غضون بضعة عقود من الزمن إلى سافانا، أو أن الشعاب المرجانية قد تنقرض، يبدو أشبه بالخيال العلمي. ونظرا للأعداد الكبيرة من الناس الذين ركنوا إلى شعور زائف بالسيطرة على البيئة، ربما تزداد صعوبة إدراك حقيقة مفادها أن التغيرات التدريجية في درجات الحرارة وهطول الأمطار تعيد تنظيم الأنظمة على نطاق الكوكب بشكل لا رجعة فيه.
لكن البيانات المستقاة من نماذج أنظمة الأرض المتزايدة التقدم تشير إلى أن نقاط التحول هذه تقترب بسرعة أو ربما، في حالة الشعاب المرجانية والطبقة الجليدية في غرب القطب الجنوبي، أصبحت جارية بالفعل. وليس من الواضح على الإطلاق أن التدخلات المناخية من الممكن أن تجعل المشكلة تختفي.
الواقع أن المؤسسات على المستويات كافة ليست مستعدة لإدارة مثل هذه الاحتمالات. والعمليات الجارية حاليا لتركيز علم المناخ في توصيات السياسة العامة أصبحت فيما يتصل بالتغيرات على المستوى العالمي أقوى مما هي عليه فيما يتصل بالرؤى المحلية التي قد يحتاج إليها مسؤول عن تخطيط المدن في جاكرتا، أو وزير مالية في البرازيل، أو مُزارِع في منطقة الساحل، وهذا لأن هذه العمليات مجهزة لتسليط الضوء على مجالات الاتفاق بشكل أفضل من جاهزيتها لرسم خريطة لمناطق انعدام اليقين.
لا تعترف معظم خطط البنية الأساسية، وأطر السياسات، والأسواق المالية، واستراتيجيات إدارة المخاطر بإمكانية تجاوز نقاط التحول المناخية، التي يمكننا توقعها في المستقبل المنظور ولكن من غير الممكن التنبؤ بها بدقة. وهذا ما يجعل من الصعب الموازنة بين الاستثمارات في الاحتياجات الفورية والتأثيرات التي قد يخلفها هذا الإنفاق في المستقبل.
إن الافتقار إلى القدرة على الاستجابة لنقاط التحول المناخية يجب أن يُـعالَج الآن. يفرض الحد من مخاطر تجاوز هذه النقاط مشكلة عمل جماعي عالمي، خاصة وأنها تغطي مجالات مختلفة. على سبيل المثال، تساهم عوامل عديدة في انهيار الشعاب المرجانية، بما في ذلك الانحباس الحراري الكوكبي، وتحمض المحيطات، وخسارة الأنظمة البيئية، وجريان التلوث، وصيد الأسماك الجائر. ومع ذلك، توضع علوم المناخ، وبحوث التنوع البيولوجي، ومراقبة التلوث، وإدارة الموارد، في صوامع منفصلة، على نحو لا يجعل أي جهة بعينها مسؤولة عن مراقبة وتخفيف ديناميكيات التحول.
يتلخص بناء الهيكل المؤسسي اللازم لحوكمة نقاط التحول في ثلاث مهام أساسية. تتمثل المهمة الأولى في التتبع المستمر لديناميكيات التحول ــ بما في ذلك الأبعاد البشرية والاجتماعية ــ وتطوير فهم مشترك لهذه الديناميكيات وقابل للتطبيق عليها. وتتمثل الثانية في الاعتراف المتزايد بالمخاطر، وهذا يعني ضمان كونها من الاعتبارات المركزية في عملية صنع القرار الحكومي والتجاري. وأخيرا، من الأهمية بمكان إنشاء القدرة على الاستجابة المنسقة لحظيا عبر مجالات السياسات والقطاعات والنطاقات.
في مذكرة تفاهم حول تقرير نقاط التحول العالمية لعام 2025، نوضح كيف يمكن تطوير هذه القدرات من خلال مرافق إقليمية لرصد عناصر التحول والاستجابة لها (TEMRFs) والتي ستُعنى بتبادل المعلومات وتنسيق العمل حسب الحاجة. سوف يركز كل من هذه المرافق على عنصر محدد من عناصر التحول، وسوف يكون مرتكزا على المستوى الإقليمي ــ لكنه مترابط على مستوى العالم. وبوسع هذه المرافق أن تنسج معا أطر التعاون الإقليمية القائمة، بما في ذلك شبكات العلماء، وصُـنّاع السياسات، وحكومات المدن، والشعوب الأصلية، والدبلوماسيين.
من الممكن أن تتعلم هذه المرافق من مبادرات أخرى نجحت في تطوير طرق جديدة لتجميع علوم المناخ لصالح صناع القرار، مثل نشاط منارة المخاطر المناخية التابع للبرنامج العالمي لبحوث المناخ، وبرنامج رصد وتقييم القطب الشمالي، والفرق العلمية المعنية بدراسة الأمازون وحوض الكونغو وبورنيو، ومرصد الأمازون الإقليمي. وقد أظهرت هذه البرامج كيفية تمثيل المخاطر الجهازية بطريقة ملموسة ومصممة خصيصا لمختلف أصحاب المصلحة. ينبغي لهذه المرافق أن تحذو حذو هذه البرامج من خلال تجميع المعلومات من مجموعة عريضة من المصادر ــ مثل النماذج الكمية، وبيانات الأقمار الصناعية، ومعارف السكان الأصليين ــ وخلق صورة شاملة لمختلف الجماهير المهتمة.
يحتاج القادة السياسيون وقادة الأعمال، إلى جانب تركيزهم على الدورات الانتخابية والأرباح الفصلية، إلى أطر عمل سياقية تدرك مخاطر تجاوز نقاط التحول المناخية وتعمل على دمجها. لتحقيق هذه الغاية، سيكون لزاما على المرافق الإقليمية المعنية برصد عناصر التحول والاستجابة لها أن تضع في الحسبان آفاق زمنية ممتدة لعقود من الزمن، وأن تضمن أن تكون عناصر التحول جزءا من أطر السياسات الخاصة بتخطيط البنية الأساسية، والتنظيم المالي، وسياسة التنمية. ولا مفر من إجراء مقايضات صعبة ــ بين النمو في الأمد القريب والمرونة في الأمد البعيد، وبين الحفاظ على الوضع الراهن والتكيف مع الحقائق الجديدة.
أخيرا، يجب أن تعمل المرافق الإقليمية المعنية برصد عناصر التحول والاستجابة لها على تنظيم الاستجابات على نطاق ووتيرة يتناسبان مع شدة إلحاح الوضع. تمتد غابات الأمازون المطيرة عبر تسع دول، وتربط تيارات المحيطات بين القارات؛ وكل منهما ينطوي على ديناميكيات تحول تخلف تأثيرات محلية وعالمية تتكشف على نطاقات زمنية معقدة. وهذا يتطلب مؤسسات قادرة على تنسيق العمل عبر مختلف مناطق الاختصاص، والربط بين القطاعين العام والخاص، والاستجابة بمرونة للظروف المتغيرة.
والهيئات الإقليمية في وضع جيد يسمح لها بتحقيق هذه الأهداف لأنها متقاربة بالقدر الذي يسمح لها بمعاينة التأثيرات المترتبة على تجاوز نقاط التحول العابرة للحدود، وكبيرة بالقدر الذي يمكنها من ابتكار وتنفيذ تدابير منسقة عبر الحدود. ومن الممكن أن تضطلع منظمات مثل مجلس وزراء دول الشمال الأوروبي أو منظمة معاهدة التعاون في منطقة الأمازون بأدوار مهمة في تطوير هذه البنية، مستفيدة من خبرتها في التعامل مع الشواغل المتغيرة برغم افتقارها إلى التفويض المكتمل. كما تستطيع بنوك التنمية الإقليمية والتحالفات الإقليمية حول المصالح المشتركة مثل المبادرة الدولية المعنية بالشعاب المرجانية العمل كنقاط انطلاق جيدة.
ينطوي الأمر على ضرورة أشد عمقا لتعزيز القدرات الإقليمية. في كثير من الأحيان، تتعثر الجهود العالمية تحت وطأة أوجه التفاوت العميقة وانعدام الثقة المستمر ــ سواء بين البلدان أو داخلها ــ حول المصالح التي تُـخـدَم حقا في نهاية المطاف. في هذا السياق، من الممكن بسهولة تأطير نقاط التحول في النظام الأرضي والنظر إليها على أنها أجندة أخرى مدفوعة من الشمال العالمي لضبط التنمية في أماكن أخرى. وترسم المرافق الإقليمية المعنية برصد عناصر التحول والاستجابة لها مسارا مختلفا: خلق المساحة اللازمة للسماح للمناطق للمطالبة بصوتها، ورعاية قدراتها العلمية ورؤاها المستندة إلى أسس راسخة، والعمل مع أصحاب المصلحة عبر مختلف النطاقات لتشكيل مسارات التنمية الضاربة بجذور قوية في مناطقها الجغرافية وأنظمة الأرض التي تدعمها.
تقدم المرافق الإقليمية المعنية برصد عناصر التحول والاستجابة لها وسيلة لربط الطموح العالمي بالواقع الإقليمي ــ بشروط يحددها من يعيشون هذا الواقع.
![]()









