كان المغرب: هل سقط بعض المغاربة في فخ الإعلام “الشقيق”

كان المغرب: هل سقط بعض المغاربة في فخ الإعلام “الشقيق”

- ‎فيرياضة, واجهة
IMG 20251226 WA00011

راديو إكسبرس

البث المباشر

 

الياس اعراب/

تبدو طريقة تعاطي بعض المنابر المصرية والتونسية مع كأس إفريقيا في المغرب 2025 وكأنها برنامج خاص عنوانه الكبير: كيف نربك المنتخب المغربي ونفصل جمهوره عنه؟ من يتابع البلاتوهات “الشقيقة” يلاحظ أن جزءًا مهمًا من الخطاب لا يذهب إلى تحليل الأداء أو قراءة الخيارات التكتيكية، بل إلى صناعة رواية تشكك في اختيارات وليد الركراكي وتفتح جبهة جانبية بين الجمهور ومدربه، عبر مقارنات مفتعلة مع السكيتوي وترويج أسماء لم تُستدعَ وكأنها الحل السحري لكل أعطاب الكرة المغربية على قلتها.
تحوّل اسم ربيع حريمات إلى كلمة السر في كل “نقاش”، حتى صار يُذكر أكثر مما تُذكر خطة المنتخب نفسها، وصار أي حديث عن وسط الميدان يمر عبر جملة من نوع: “لو كان ربيع حريمات حاضراً لتغيّر كل شيء”، في مبالغة إعلامية تشبه الإشهار أكثر مما تشبه التحليل. حتى عصام الشوالي، في المباراة الافتتاحية، اختار أن يضع “سمّه في العسل”، فمرّر إشارة لاسم ربيع في توقيت وسياق لم يكن ضرورياً، لكنه كان كافياً لزرع فكرة في ذهن جزء من الجمهور المغربي المتحفّز لأي موضوع جانبي يشعل النقاش.
لكن الخلل لا يقف عند حدود تلك المنابر، بل يبدأ حين يصل هذا اللغط الجانبي إلى الصحافة المغربية والمحللين المغاربة، ليتحوّل جزء من الجمهور المغربي إلى جمهور يتابع المباريات بآذانه لا بعيونه، فيلتقط ما يُقال خارج الملعب أكثر مما يراقب ما يحدث داخله. بدل أن ينشغل هذا الجمهور بتحليل تفاصيل المباراة الأولى: نسق اللعب، جودة التمريرات، الاختيارات التكتيكية، لحظات القوة والضعف، انجرّف كثيرون إلى تحويل النقاش إلى محكمة مفتوحة ضد الركراكي وقراراته، وكأن الفوز في المباراة لا قيمة له أمام “عدم استدعاء فلان وعلان”، ليظهر بالملموس أننا ابتلعنا الطعم.
سفيان أمرابط كان النموذج الأبرز لهذا الظلم التحليلي السطحي؛ لاعب تُجْمِع عليه أغلب القراءات التقنية كأحد مفاتيح توازن المنتخب، ويتصدّر أرقاماً مهمة في الافتكاك والتمرير وتنظيم النسق، وكل تجاربه في الفرق التي لعب فيها كانت ناجحة وحصد ثقة مدربين كبار كمورينيو وبيليغريني، ومع ذلك يحاول بعض “المحللين الفيسبوكيين” اختزاله في مشهد واحد: “لاعب يرجع الكرة للوراء”. لكنهم يعجزون عن رؤية سفيان بعين متجردة تبرز دور محرك الوسط، فعلى سبيل المثال لا الحصر: التمريرة المفتاحية في الهدف الأول مرّت من قدم أمرابط تحديداً، وتحرّر نائل العيناوي في مربع عمليات الخصم وقدرته على اللعب بحرية في الأمام يرتكزان على تغطية دفاعية هادئة وذكية يقوم بها أمرابط في الخلف تمنحه هامش المغامرة والتقدّم.
في المقابل، للإعلام المصري والتونسي حساباته الخاصة؛ فمنتخب المغرب اليوم مرشّح أوّل للقب في نظر منصات الأرقام المتخصصة، وتنظيم المغرب للكان بمعايير عالمية يضعه في قلب المشهد القاري، وهو ما يدفع بعض المنابر إلى خلط النقاش التقني بالدراما، لأن الدراما تجلب المشاهدات والضغط أكثر مما تجلبه لغة الأرقام الباردة. من السهل إذن اللعب على وتر “المظلومية” و”عدم استدعاء النجوم” و”عناد المدرب”، مع ترك الجمهور المغربي يكمل بقية السيناريو على شبكاته الاجتماعية.
الخطر الحقيقي يبدأ عندما تتحوّل هذه السردية الخارجية إلى قناعة داخلية، ويصبح جزء من الجمهور المغربي والإعلام الرياضي أداة في مشروع إعلامي لا يهمه استقرار المنتخب بقدر ما يهمه رفع نسب المشاهدة وعدد النقرات. في اللحظة التي يتحوّل فيها النقاش من “كيف نفوز؟” إلى “لماذا لم يُستدعَ فلان؟”، ومن “كيف نطور أداء من يوجد في الملعب؟” إلى “من الأحق بتدريب المنتخب؟”، يكون خصوم المغرب قد ربحوا أول معركة نفسية دون أن يلمسوا الكرة.
لهذا، فإن الواجب الآن ليس البحث عن مشجب نعلق عليه كل خطأ في أول مباراة، ولا فتح ملفات بديلة تُضعف الثقة بين المدرجات ودكّة البدلاء، بل إعادة ترتيب الأولويات: منتخب قاده ركراكي إلى نصف نهائي المونديال يستحق منحه الحد الأدنى من الهدوء، ولاعب بقيمة أمرابط يثبت بالأرقام قبل الانطباعات أنه ركيزة في توازن المنتخب يستحق قراءة عادلة لا أحكاماً متسرّعة. في النهاية، من يريد سقوط المغرب يعرف جيداً أن الطريق لا يمر عبر شباك الحارس ياسين بونو المستعصية، بل عبر شقّ الصف بين المنتخب وجمهوره، ومن الحكمة ألا نمنحه “هدفاً مجانياً” من مدرجاتنا نحن، خصوصاً ونحن نستضيف كاناً بأفق مونديالي وبمنتخب مرشّح فوق أرضه وأمام جماهيره لكتابة فصل جديد في تاريخ الكرة الإفريقية

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *