راديو إكسبرس
البث المباشر
اوسار أحمد/
على ضفاف المتوسط، حيث يلتقي البحر بأفق لا ينتهي، تقف السعيدية بوجهها المزدوج: جمال طبيعي يأسر الأنظار، وتجربة سياحية لا تخلو من التناقضات. المدينة، التي لطالما لُقبت بـ”لؤلؤة الشرق”، تبدو اليوم ساحةً لصراع صامت بين زرقة مياهها الهادئة وغلاء أسعارها، بين وعد الاستجمام وإحباط الشكاوى.
في هذا التقرير، نغوص في تفاصيل المشهد الصيفي للمدينة، بين روايات الزوار الذين انقسموا بين معجب بجمالها وناقم على فوضى سماسرتها، وبين مهنيين يرفضون اتهامات المبالغة، ومسؤولين يؤكدون أن الأمور تحت السيطرة. هنا، في السعيدية، تتقاطع الحكايات لتصنع صورة مدينة لا تزال تبحث عن توازنها بين سحر الطبيعة ومتطلبات السياحة المنظمة.
■ جمالية المدينة… شاطئ مفتوح وهدوء لا يشبه مدن الغرب
لا يمكن إنكار ما تقدمه السعيدية من مناظر طبيعية خلابة جعلتها تُوصف بـ”لؤلؤة الشرق”. المدينة تمتد على شاطئ رملي ناعم يُعد من بين الأطول والأكثر نظافة على الساحل المغربي. مياهها الفيروزية، وسعتها الكبيرة، وهدوؤها، تجعلها مناسبة للعائلات الباحثة عن الاستجمام، بعيدًا عن صخب مدن اخرى.
كورنيشها الجديد يتميز بممرات فسيحة للمشي وركوب الدراجات، والجلوس على الأرصفة المنظمة. كما توجد بها “مارينا السعيدية”، بميناء ترفيهي يعكس استثمارات ضخمة في السياحة البحرية. المدينة محاطة بمساحات خضراء، ومرافق للأطفال، وأسواق محلية تكتسب شعبية متزايدة.
حتى حدودها الشرقية أصبحت نقطة جذب، حيث يتجه الزوار نحو المعبر الحدودي المغلق مع الجزائر فقط لالتقاط صور نادرة من أقصى شرق المملكة.
■ مناظر آسرة… وتجربة غير متوازنة
في أحد الأزقة المتفرعة عن شارع الكورنيش، كان جواد، رب أسرة من مدينة سلا، يهمّ بالخروج من الشقة التي اكتراها لقضاء ثلاثة أيام.
“الشقة كلفتني 600 درهم لليلة، وهذا سعر معقول مقارنة بالصيف الماضي. لكن الأكل هنا مشكلة حقيقية. وجبة عادية لعائلة قد تتجاوز 300 درهم، والجودة لا تستحق”، يقول وهو يحمل حقيبة تبريد تحتوي على ماء ومأكولات قام بتهيئها بنفسه.
محمد، مغربي مقيم في فرنسا، زار المدينة لأول مرة منذ خمس سنوات.
“غرفة بفندق محترم بـ500 درهم، هذا سعر مقبول جداً. لكن المطاعم تحتاج لإعادة النظر، الخدمة متوسطة الى سيئة، المذاق غائب. في مدن اخرى تدفع مثل هذا المبلغ وتحصل على تجربة أفضل”، يقول وهو يتصفح تقييمات بعض المطاعم على هاتفه المحمول.
■ غلاء وشكاوى… والضحية الأسر ذات الدخل المحدود
فدوى، أم لثلاثة أطفال من مراكش، تحكي عن تجربتها القاسية في بداية العطلة:
“الشقة الأولى كانت بـ350 درهم، لكن وجدنا الأوساخ في كل مكان. لا مرحاض نظيف، لا تهوية، اضطررنا لتغييرها”.
لاحقًا، دفعت 600 درهم في الليلة لشقة أخرى بعدما تنقلت بين وسطاء كثر.
“السماسرة نصابون، يعطونك ثمناً مبدئيًا، ولما تصل تجد شيئاً آخر. لا قانون، لا مراقبة. كعائلة من 5 أفراد، السعيدية أصبحت خيار صعب بالنسبة لنا “.
■ السماسرة… النقطة السوداء في تجربة الزوار
البشير ج، من ساكنة السعيدية، يقول إن “ما يروج حول غلاء الإيجار غير دقيق”.
يضيف أن “السماسرة يرفعون الأسعار بالتنسيق مع بعض الملاك، ويُفسدون سمعة المدينة، في حين أن كثيرًا من الشقق تُعرض مباشرة بأثمنة معقولة”.
يشدد على ضرورة ضبط هذا القطاع وحمايته من الفوضى.
عند مداخل المدينة، يتكرر المشهد نفسه: وسطاء يعرضون الشقق بأسعار مغرية، لكنها سرعان ما تختلف عند المعاينة. أغلب الزوار لا يقدمون شكايات رسمية، ويكتفون بالمغادرة الغاضبة.
■ المهنيون يردّون: الأسعار مستقرة… وبعض التجاوزات الفردية
في أحد الفنادق المصنفة، يقول مستخدم في قسم الاستقبال:
“عدد الزوار أقل من السنوات الماضية، لكننا لم نرفع الأسعار. الليلة في الفندق تبدأ من 450 درهم، ونقدم خدمات كاملة”.
في الجهة الأخرى من الكورنيش، داخل مطعم شعبي، يدافع صاحبه عن نفسه:
“الحديث عن غلاء الأسعار ظلم للمطاعم التي تشتغل بضمير. نعم، هناك من يرفع الأسعار بلا مبرر ويقدم جودة ضعيفة، لكننا لسنا كلنا كذلك. والسلطات تقوم بمراقبة دورية”، يقول وهو يشير إلى لائحة الأسعار المعلقة خلفه.
■ مسؤولين: لا غلاء… والمدينة مستعدة للموسم
في محاولة لفهم موقف السلطات المحلية، حاولنا التواصل مع رئيس الجماعة لكن تعذر علينا ذلك وحاولنا الاتصال بأحد أعضاء المجلس الاقليمي لبركان لكن هاتفه لايرُّد. واهتدينا للتواصل مع أحد المستشارين، والذي أكد أن المدينة لا تزال تحافظ على جاذبيتها السياحية، وأن “الإقبال على السعيدية لم يتراجع،خصوصًا من طرف مغاربة الداخل والمقيمين بالخارج، مع توقع ارتفاع كبير خلال شهر غشت”.
وأوضح المتحدث أن لجانًا مختلطة تراقب باستمرار المطاعم والمقاهي والمرافق السياحية، مشيرًا إلى “وجود تنسيق فعّال بين جميع السلطات لإنجاح موسم الصيف”. وبخصوص الانتقادات المتعلقة بارتفاع الأسعار، اعتبر أن “الحديث عن الغلاء مبالغ فيه”، مبرزًا أن “مجلس الجماعة واليلطات المحلية والاقليمية وفّرت كل إمكانياتها لضمان راحة الزوار وتنظيم فعاليات متعددة طيلة الصيف”.
■ فعاليات وأمن… نقاط إيجابية في موسم متوسط
رغم الانتقادات التي تطال الأسعار والخدمات، لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية التي تشهدها السعيدية هذا الموسم. المدينة تعيش على إيقاع سلسلة من الفعاليات المتنوعة، من معارض فلاحية وتجارية تستقطب الزوار وتتيح لهم اكتشاف منتجات محلية، إلى أنشطة ثقافية وترفيهية موجهة للعائلات والأطفال، ما يضفي أجواءً حيوية على شوارعها وكورنيشها.
كما وفرت الجماعة مساحات مخصصة لألعاب الأطفال وساحات مفتوحة للعائلات، ساهمت في خلق بيئة مريحة للمصطافين الباحثين عن المتعة بعيداً عن الفوضى. ويؤكد عدد من الزوار أن هذه الأجواء تمنح المدينة طابعاً مختلفاً مقارنة بمواسم سابقة.
على مستوى الأمن، تبذل السلطات جهوداً واضحة لتأمين الزوار وضمان انسيابية المرور داخل المدينة، حيث تنتشر عناصر الأمن الوطني بشكل لافت في مختلف الشوارع والنقاط الحيوية، بما فيها الكورنيش والمناطق السياحية. هذه الإجراءات عززت شعور الطمأنينة لدى المصطافين، وقلّصت من حوادث الفوضى أو الاعتداءات الموسمية التي غالباً ما ترافق فترات الذروة السياحية.
ويؤكد مهنيون في القطاع السياحي أن الحضور الأمني القوي والإجراءات التنظيمية أسهما في تحسين صورة المدينة بين الزوار، حتى وإن بقيت بعض الإكراهات المرتبطة بالأسعار والخدمات قائمة.
بالمحصلة، يبدو أن هذه الجهود تشكل أحد أبرز النقاط المضيئة لموسم صيفي متوسط، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن السعيدية تحتاج إلى خطة متكاملة تجمع بين تعزيز الأمن والأنشطة الترفيهية من جهة، وضبط الأسعار وتحسين جودة الخدمات من جهة أخرى.
![]()











