كم نحن بحاجة إلى موريسيين جدد!

كم نحن بحاجة إلى موريسيين جدد!

- ‎فيمجتمع, واجهة
IMG 20250624 WA0022

نجيبة جلال/

إعلان يمكن النقر عليه

في التاريخ الأميركي، كما في تواريخ الأمم الحية، هناك رجال لم يمسكوا بالبندقية، لكنهم كانوا على الجبهة. من هؤلاء روبرت موريس، الذي لم يُعرف فقط كأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، بل كممول الثورة التي غيّرت مجرى العالم.

موريس، التاجر الإنجليزي الأصل، الأميركي الانتماء، كان واحدًا من القلائل الذين جمعوا بين التوقيع على إعلان الاستقلال، ومواد الاتحاد الكونفدرالي، ودستور الولايات المتحدة. لكن الأهم من ذلك، أنه تولّى بين 1781 و1784 منصب المشرف المالي للأمة الفتية، في واحدة من أحلك فتراتها: حرب التحرير ضد الإمبراطورية البريطانية.

WhatsApp Image 2025 06 24 at 00.54.38 1
لقّبه المؤرخون بـ”Financier of the Revolution”، لأنه لم يكتفِ بالشعارات، بل موّل الثورة من جيبه، وحشد الأموال، وضبط الإنفاق، وأنقذ البلاد من الإفلاس.

كان يدرك، ببصيرة استثنائية، أن لا حرية بدون استقلال مالي، وأن لا استقلال مالي بدون استثمار وطني شجاع، يربط رأس المال بمصير الوطن، لا بمصالح الأفراد.

WhatsApp Image 2025 06 24 at 00.54.38

حين وقفت أمام تمثاله في زيارتي الأخيرة، راودني سؤال مُلحّ:
كم نحن، اليوم، في حاجة إلى موريسيين جدد؟

في المغرب، كما في بقية بلدان الجنوب، لا تنقصنا الأوراش ولا المخططات. الدولة تؤدي دورها في إطلاق الاستراتيجيات الكبرى، وتوفير البنية التحتية، وفتح الآفاق نحو شراكات دولية واعدة. لكنّ تحقيق الإقلاع الحقيقي يظل رهينًا بمدى انخراط رأس المال الوطني في المشروع الجماعي.

إننا نحتاج إلى مستثمرين وطنيين على شاكلة موريس:
لا يرون في الوطن مجرد سوق أو أرض مضاربة عقارية، بل فضاء للابتكار، والتشغيل، والتصنيع، وبناء الثروة المشتركة.
نحتاج إلى من يؤمن أن المال رسالة، وأن الربح لا يتعارض مع خدمة المصلحة العامة، بل يتحقق من خلالها.

لقد آن الأوان لننتقل من منطق الريع والمضاربة، إلى منطق الشراكة في بناء مغرب قوي، مستقل اقتصاديًا، وصامد أمام الأزمات.
فالسيادة لا تُستورد، والثورات لا تُصدّر، أما الأوطان، فتُبنى برجال يؤمنون بأن المال الذي لا يخدم الوطن… عبءٌ على الوطن.

روبرت موريس لم يكن قديسًا ولا مثاليًا، لكنه كان وطنيًا بالمعنى العملي العميق. وقد علمنا التاريخ أن البناء يحتاج، أحيانًا، إلى جرأة المستثمر أكثر من اندفاع الثائر.

فهل نملك اليوم من يضع توقيعه في التاريخ، كما فعل موريس، لا بالحبر فقط، بل بالتمويل المسؤول، والاستثمار المنتج، والإيمان العميق بمستقبل بلده؟

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *