اوسار أحمد /
في بداية العشرينات من القرن الماضي، كانت الإسكندرية تعيش في ظل حالة من الرعب بسبب سلسلة من الجرائم التي هزت المدينة وأشاعت الخوف بين سكانها. كان وراء هذه الجرائم عصابة مكونة من شقيقتين هما ريا وسكينة، اللتين انتقلتا مع عائلتهما من الصعيد إلى الإسكندرية بحثًا عن حياة أفضل، لكنهما وجدا نفسيهما في عالم الإجرام.
كانت ريا وسكينة تتمتعان بقدرة على استدراج النساء اللاتي يرتدين مجوهرات ثمينة، حيث كانتا تدعوانهن إلى منزلهما بحجة عرض بضائع أو مواد رخيصة. كان أسلوبهما بسيطًا لكنه فعال؛ بعد استدراج الضحايا، تُساق الضحية إلى غرفة مظلمة، حيث تقوم ريا بإسكارهن أو تخديرهن، لتقوم سكينة وبقية العصابة بالهجوم عليهن وقتلهن بطريقة وحشية، غالبًا عن طريق الخنق.
عقب قتل الضحايا، كانت العصابة تجردهن من مجوهراتهن وأموالهن، ثم تُدفن الجثث في باطن الأرض داخل المنازل التي كانت مستأجرة خصيصًا لهذا الغرض. كانت الجثث تُخفى في أماكن سرية، سواء تحت البلاط أو في الزوايا المظلمة. استمر هذا السيناريو المروع لشهور دون أن يلاحظ أحد.
الأمر بدأ ينكشف بعد أن غابت إحدى الضحايا، وهي فردوس الحبشية، التي كانت قد أرسلت ملابسها إلى مكوجي قريب. وعندما تأخرت في العودة لاستلامها، بدأت والدتها في البحث عنها، فأرشدتها إلى المنزل الذي دخلت إليه. عند تفتيش المنزل، اكتشف المحققون الجثث المدفونة تحت البلاط، وكانت هذه بداية نهاية العصابة.
مع التحقيقات المتواصلة، تبيّن أن العصابة ليست مجرد أفراد، بل شبكة منظمة تعمل على استدراج النساء وقتلهن. اعترفت ريا وسكينة بجريمة قتل العديد من النساء، وكان من بين الضحايا الذين تم التعرف عليهم فردوس الحبشية، ولكن الكثير من الضحايا لم يتم تحديد هوياتهن.
بعد اكتشاف الفظائع التي ارتكبتها العصابة، تم تقديم ريا وسكينة، وزوجيهما، إلى المحكمة. وواجهوا جميعًا أحكامًا بالإعدام، لتصبح ريا وسكينة أول امرأتين يُحكم عليهما بالإعدام في تاريخ مصر الحديث. في ديسمبر 1921، تم تنفيذ حكم الإعدام في الشقيقتين، لتختتم بذلك واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ مصر.
ظلت قضية ريا وسكينة واحدة من أكثر الجرائم التي أثارت الجدل في مصر. بعد تنفيذ حكم الإعدام في الشقيقتين، أعاد الناس في الإسكندرية حياتهم إلى طبيعتها، لكن جريمة العصابة بقيت حديث الجميع لفترة طويلة. لم تكن الحكاية مجرد جريمة قتل عادية؛ بل كانت انعكاسًا لظروف اجتماعية واقتصادية صعبة في مصر في تلك الفترة، حيث ساعدت تلك الظروف على تكوين بيئة خصبة للجريمة.
التحقيقات التي تلت اكتشاف الجرائم أسفرت عن كشف شبكة واسعة من التواطؤ، بدءًا من الزوجين، وصولًا إلى بعض الأشخاص الذين كانوا يساعدون العصابة في بيع المسروقات. كانت ريا وسكينة مثالًا لامرأتين اخترقتا المجتمع وارتكبتا جريمة لم تُشاهد في مثلها من قبل.
كانت تصرفات الشقيقتين غير متوقعة في سياق تلك الحقبة. حيث كانت الجرائم تُنسب في الغالب إلى الرجال، لكن ريا وسكينة جاءتا ليفاجئا الجميع بعقليتهما التي تميزت بالقسوة والتنظيم. في اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ حكم الإعدام، كانت ريا وسكينة في حالة من التماسك والبرود، حيث لم يُظهرن أي نوع من الندم على ما ارتكبته أيديهما. كان ذلك بمثابة علامة على شجاعتهما الغريبة، على الرغم من أنهن كنّ قد دخلن عالم الجريمة من باب الحاجة والفقر.
1 86 زيارة , 1 زيارات اليوم