الحتمية التكنولوجية والعقل البشري- قراءة في مقال يونس مجاهد

الحتمية التكنولوجية والعقل البشري- قراءة في مقال يونس مجاهد

- ‎فيمجتمع, واجهة
Capture decran 2025 02 20 224800

نجيبة جلال /

في مقالته المنشورة في “يومية الصباح” يوم 19 فبراير 2025، يقدم يونس مجاهد تحليلاً عميقاً لقضية شديدة الأهمية في عصرنا الحالي، وهي تأثير التكنولوجيا الحديثة على الفكر البشري، خاصة في ظل التوسع الهائل لوسائل الإعلام الرقمية والذكاء الاصطناعي. مجاهد، في مقالته، لا يكتفي بالتحليل السطحي لهذه التحولات، بل يذهب إلى جذورها التاريخية والفلسفية، مقدمًا تصورًا عقلانيًا لكيفية تعامل البشرية مع هذه التكنولوجيا.

إعلان يمكن النقر عليه

من أبرز النقاط التي تطرق إليها مجاهد، التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي في عالمنا، الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من جميع مناحي الحياة، من الاقتصاد إلى السياسة. وهو يشير بوضوح إلى أن تكنولوجيا المعلومات كانت دائمًا محركًا رئيسيًا لتاريخ البشر، ويستشهد بالمفكر نوفال نوح هراري الذي اعتبر أن التحكم في المعلومات يشكل القوة الحقيقية، وهو ما تعززه الخوارزميات اليوم. فعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا تقدم إمكانيات كبيرة، إلا أن خطر تركز السلطة في أيدي عدد قليل من المتحكمين فيها يبقى تهديدًا حقيقيًا للبشرية.

يتنقل مجاهد بين عدة أفكار فلسفية وتاريخية، ويستعرض كذلك رأي الفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان الذي طرح فكرة “وسيلة الاتصال هي الرسالة”. ماكلوهان يرى أن وسائل الاتصال لا تؤثر فقط على الرسالة التي يتم تبادلها، بل أيضًا على الطريقة التي يفهم بها الإنسان العالم من حوله. في ضوء هذا، يمكننا أن نفهم كيف تؤثر وسائل الإعلام الرقمية في نظرتنا للواقع والعلاقات بين الأفراد والمجتمعات.

ولكن ما يميز مقال مجاهد هو تركيزه على الجانب الإنساني في مواجهة هذه التحديات التكنولوجية. يعتقد أن الحل يكمن في تنمية الحس النقدي لدى الأفراد، وهو أمر يتطلب تعليمًا قويًا وإعلامًا مسؤولًا. في هذا السياق، يشير إلى أهمية الصحافة الجيدة ووسائل الإعلام الفعالة التي تستطيع أن تحارب الأخبار الكاذبة وتساعد الناس في التمييز بين الحقيقة والخداع. لقد أثبتت وسائل الإعلام قوتها في أوقات الأزمات، مثل جائحة كوفيد-19، عندما اعتمد الناس على المعلومات الدقيقة والصحيحة.

كما لا يغفل مجاهد عن الحديث عن الأكاذيب والشائعات التي كانت دائمًا جزءًا من الحروب البشرية، ويشدد على أن هذه الظاهرة قد تضخمت بشكل غير مسبوق في عصر الإعلام الرقمي. بل إن بعض الأنظمة السياسية تستغل هذه الظاهرة بشكل ممنهج، كما في بعض الدول التي تحاول تشويه الحقائق التاريخية لتدعيم أيديولوجياتها.

في الختام، يمكن القول إن مقال يونس مجاهد يعد دعوة للتفكير النقدي العميق في العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. هو تحذير من أن الحتمية التكنولوجية قد تفرض نفسها علينا إذا لم نتعامل معها بوعي وذكاء، وهو أيضًا نداء للمجتمعات كي تُعزز التعليم والإعلام الجيد كأدوات أساسية لمكافحة الأخبار الكاذبة والحفاظ على القيم الإنسانية في ظل هذه التغيرات العميقة.

1 29 زيارة , 1 زيارات اليوم

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *