راديو إكسبرس
البث المباشر
نجيبة جلال/
في واحدة من أغرب الوقائع التي شهدتها محكمة سلا ، وجدت سيدة نفسها بين كماشة العنف الزوجي من جهة، وبين ثغرات المساطر القضائية من جهة ثانية. الزوجة قدمت للمحكمة شريط فيديو يوثق حالة رعب عاشتها رفقة أبنائها، حيث كان زوجها – وهو كولونيل يخضع لقانون الضبط العسكري تابع للوقاية المدنية – يكسّر أثاث البيت ويدمر محتوياته بحضور الأطفال، غير أن المحكمة رفضت اعتبار ذلك عنفًا مباشرا لكون الفيديو لم يُظهر مشهدًا جسديًا لضرب الزوج لزوجته.
المفاجأة الكبرى حصلت داخل قاعة المحكمة، حيث مثل الزوج أمام القاضية و عندما سألته عن سبب الخلاف، أجابها بأن زوجته غادرت بيت الزوجية، فردت عليه القاضية بأن الأمر عادي . استرسلت القاضية في طرح الأسئلة، إلى أن نطق الكولونيل بجملة صادمة أمام الملأ:
“فاش لعيالات بداو تيحكمو فالقضاء ما بقى ما يتقال.”
الجملة لم تكن مجرد انزلاق لفظي، بل إعلان صريح عن عقلية استعلائية تُبخّس النساء وتحتقر سلطة القضاء. القاضية لم تتردد في استدعاء عناصر الشرطة القضائية. الكولونيل أخرج بطاقته المهنية في محاولة لاستعراض نفوذه، لكن وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسلا أمر فورًا بإيداعه رهن الحراسة النظرية. وهكذا قضى الضابط ليلته الأولى في زنزانة باردة، محاطًا بمسؤولين أمنيين كانوا حتى الأمس زملاءه في المؤسسة.
واجه الكولونيل شهادات حاضرة من داخل القاعة، ضمت مسؤولين قضائيين، كاتب ضبط، ومتقاضين. و مع ذلك بعد 48 ساعة في الحراسة النظرية، تم الإفراج عنه بعدما جرى توصيف حالته بكونها “مشاكل نفسية”.
القضية تكشف عدة مستويات من الاختلال:
أولًا: إشكالية الإثبات في قضايا العنف الزوجي، حيث يظل القانون عاجزًا عن حماية الزوجة والأطفال إذا لم يظهر العنف في شكل ضرب مباشر، متجاهلًا العنف النفسي والترهيب الذي قد يكون أشد خطورة.
ثانيًا: صدام الذهنية الذكورية مع منطق العدالة ،
ثالثًا: الامتحان الحقيقي لاستقلالية القضاء، وقدرة القاضيات خصوصًا على مواجهة عقليات محافظة تعتبر المرأة غير مؤهلة لإصدار الأحكام.
في النهاية، قد يخرج الكولونيل من الملف بدعوى “الاضطرابات النفسية”، لكن الجرح الأعمق يظل هو ذلك الذي يُترك في نفوس النساء المعنفات حين يرون القانون يتلكأ في الاعتراف بأبسط حقوقهن في الحماية والكرامة
![]()







