الملك يُهِيب بعدم النحر… فهل نذبح الأنا ونُحيي الضمير؟

الملك يُهِيب بعدم النحر… فهل نذبح الأنا ونُحيي الضمير؟

- ‎فيرأي, واجهة
Capture decran 2025 05 25 180347

اوسار أحمد

إعلان يمكن النقر عليه

في لحظة فارقة تقتضي الحكمة وتحكيم العقل، جاءت الرسالة الملكية السامية التي دعا فيها جلالة الملك محمد السادس، بصفته أميرًا للمؤمنين، إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام. القرار لم يكن تقنيًا أو ظرفيًا فقط، بل كان تجسيدًا لقيادة مسؤولة تقرأ الواقع بوعي ديني واجتماعي، وتستبق التحديات بحس وطني عميق. فالمغرب يعيش أزمة مزدوجة: جفاف مستمر أضر بالفرشة المائية والغطاء النباتي، وتراجع حاد في أعداد الماشية، يوازيه غلاء مستفحل أثقل كاهل الأسر. لذلك، جاءت دعوة الملك ليس لتقليص شعيرة، بل لإعلاء مقصدها، وتخفيف الحرج عن آلاف المواطنين الذين ما عادوا قادرين على تحمل أعباء العيد في صيغته الاستهلاكية التي فرضها الواقع خلال السنوات الأخيرة.

الرسالة لم تُعفِ الناس من ذبح الأضاحي فقط، بل رفعت الحرج، وفتحت الباب لإعادة التفكير في معنى الشعائر ومقاصدها. فالذبح سنة مؤكدة، لكن الإسلام جعل التيسير أصلًا، ورفع المشقة مقصدًا، ولا ضرر ولا ضرار. جلالة الملك، وهو العارف بمقاصد الشرع، أعاد ضبط البوصلة الجماعية نحو هذا الفهم المتزن، جامعًا بين النص والواقع، بين العقيدة والمصلحة، بين الإيمان والرحمة.

لكن ما يدعو للأسف أن بعض الأصوات لم تلتقط جوهر القرار، وتعاملت معه إما بالاستخفاف أو العناد أو السخرية. ما زال البعض يعتبر العيد مناسبة للتباهي، للتنافس على أكبر خروف، لملء الموائد وتصوير الولائم، ولو على حساب الديون أو الضغط النفسي أو حتى الكذب على النفس. هؤلاء لا يرون في القرار إلا فرصة مهدورة لـ”موسم الشواء”، ويتناسون أن الحكمة اليوم تقتضي أن نؤجل مظاهر العيد، من أجل أن نحافظ على روحه. أن نؤجل ذبح الخروف، من أجل ألا نذبح الكرامة والضمير والوعي الجماعي.

في المقابل، ما أحوج الوطن اليوم إلى وعي جماعي يقدّم المصلحة العامة على الرغبات الفردية، يلتقط اللحظة لا ليرفضها، بل ليستثمرها في تصحيح ما انحرف من العادات. فليس من الوطنية أن نغرق في المظاهر، وننسى الوطن. وليس من التدين أن نُحرج الفقير، أو نمارس ضغطًا اجتماعيًا باسم السنة، أو نلزم الناس بما لم يُلزمهم الله به في هذا الظرف الصعب.

هذه المناسبة يمكن أن تكون نقطة انعطاف. فرصة للتربية على الزهد، على التكافل، على صلة الرحم لا فقط عبر اللحم. من أراد أن يحتفل بالعيد بحق، فليجعل من ماله عونًا لمن لا يملك. فليذبح أنانيته، لا فقط خروفه. فليُراجع نيته، لا فقط ميزانيته. لأن جوهر الأضحية ليس في الدماء، بل في القلوب. في التقوى، في التراحم، في حسن التقدير لمصلحة الجماعة.

إن دعوة جلالة الملك، وهي استثنائية في مضمونها وتوقيتها، تشكل درسا بليغًا في الحكمة والتبصر، وتمنحنا فرصة لإعادة اكتشاف المعنى وسط زحام العادة. علينا أن نرتقي لمستوى هذه الرؤية، وأن نثبت أن المغاربة قادرون على إدراك أولوياتهم، وأنهم يعرفون متى يقدمون الروح على البطن، والمصلحة على المظاهر.

عيد بلا ذبح لا يعني عيدًا بلا فرحة، بل هو دعوة لفرحة مختلفة، أنضج، أصدق، وأكثر اتساعًا. فالعيد الحقيقي لا يُقاس بحجم الشواء، بل بقدر ما نُسهم في رفع المعاناة عن غيرنا، وبما نحمله من نية صافية، وضمير حي، وموقف شجاع ينحاز للإنسان لا للمائدة.

1 68 زيارة , 2 زيارات اليوم

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *