اليوتوبرز الهداوي يعيش على نظرية المؤامرة. كل شيء بالنسبة له مؤامرة. إذا انتقده أحد، فهو مأجور. إذا شكك أحد في نواياه، فهو يخدم أجندة خفية. إذا تجاهله الناس، فهناك جهة ما تحاول طمسه. الرجل مقتنع أنه رقم صعب في المعادلة السياسية، مع أنه مجرد ظاهرة صوتية، تعيش على الإثارة والشعارات الجوفاء.
في تدوينته الأخيرة، يتحدث عن حملة يقودها “الأحرار” و”البام” ضده، وكأن الأحزاب السياسية ليس لديها ما يشغلها سوى الهداوي. يتخيل نفسه تهديداً وجوديا لهما، بينما الحقيقة أنه لا يمثل شيئاً في المعادلة. السياسة تقوم على البرامج، الأرقام، والتحالفات، وليس على خطابات اليوتيوب ولعب دور الضحية لجدب المشاهدات.
الرجل يدعي أن “هاتفا” قادر على تركيع شخصيات سياسية كبرى. أي منطق هذا؟ هل أصبح الهاتف وسيلة للحكم؟ هل تغيرت قواعد اللعبة السياسية وأصبحت تقوم على الاتصالات والتسجيلات بدلاً من الانتخابات والعمل الميداني؟ أم أن الهداوي يعتقد أن تهديد الناس وابتزازهم يمكن أن يؤثر في صناديق الاقتراع؟
الهداوي لا يريد ممارسة الصحافة، بل يريد ممارسة الابتزاز. لا يقدم تحقيقات، لا يكشف فسادا، لا يسائل السلطة بأسئلة حقيقية، بل يتحدث عن مؤامرات غامضة، عن أعداء غير مرئيين، عن قوى تحاربه لأنه يشكل خطرا عليها. لكن من يتابع المشهد السياسي يعرف أن الرجل لا يشكل خطرا على أحد سوى على مصداقيته.
يقول إنهم يخافون من ظهور نسخ من “مهداوي” في كل مدينة وقرية. بل إن ما يخيف حقا هو أن يتحول الإعلام إلى منابر شخصية لتصفية الحسابات، أن يصبح “اليوتوبرزي” زعيما سياسيا وهمياً، أن يتحول الرأي العام إلى رهينة عند أشخاص يعيشون على الضجيج.
السياسة ليست مسرحية ولا حلبة مصارعة كلامية. من لديه مشروع سياسي فليتقدم به، ومن لديه برنامج إصلاحي فليعرضه، أما من يعتقد أن الصراخ على فيسبوك يمكن أن يهز الدولة، فهو يعيش في وهم كبير. الدولة لا تخضع للابتزاز، ومن يراهن على ذلك يجد نفسه في النهاية مجرد خبر عابر في الصحف.