من هي الأحزاب التي ستستمر و تلك التي ستختفي؟

من هي الأحزاب التي ستستمر و تلك التي ستختفي؟

- ‎فيرأي, شن طن, واجهة
أحزاب ستختفي

راديو إكسبرس

البث المباشر

بقلم نجيبة جلال

الأحزاب التي ستستمر في المغرب لن تكون بالضرورة تلك التي تمتلك أكبر عدد من الأعضاء أو أقوى الشعارات، بل تلك التي تعرف كيف تفهم الإنسان الذي تخاطبه، السياسة اليوم لم تعد مجرد برامج ومؤسسات، بل هي الإنسان قبل كل شيء: مناضل داخل الحزب، مواطن في الشارع، ناخب أمام الصندوق.

كل حزب يتجاهل دوافع هذا الإنسان النفسية والاجتماعية سيجد نفسه عاجزا عن الصمود، مهما بدت شعاراته قوية على الورق، إن فهم هذه الديناميات البشرية لم يعد رفاهية، بل أصبح ضرورة علمية، فالأحزاب التي تبني قراراتها على حدس أو تقليد، ستفشل أمام التحديات المعقدة التي يعرفها مجتمعنا اليوم، ولن تستطيع مسايرة وتيرة المغرب الصاعد، الذي يفرض قراءة دقيقة للتحولات المجتمعية والاقتصادية والثقافية.

الواقع المغربي يظهر بوضوح أن الأحزاب تواجه صراعات داخلية مستمرة بين القيادات والمناضلين، انقسامات وانشقاقات، وضعف الاحتفاظ بالكفاءات الفاعلة. هذه المشكلات ليست تنظيمية فقط، بل هي في جوهرها نفسية؛ غياب العدالة التنظيمية، احتكار المعلومات، شعور بعض الأطر بعدم الأمان، وضعف مهارات القيادة كلها عوامل تدفع إلى الانهيار الداخلي إذا لم تُدار بطريقة علمية.

الأحزاب المغربية التي ترغب في الاستمرار يجب أن تعتمد على علم النفس السياسي كأساس لفهم ديناميات القيادة، إدارة النزاعات، وتحفيز المناضلين على الالتزام والعمل المستمر، لتكون قادرة على الانسجام مع مجتمع يتغير بوتيرة سريعة ويشهد صعود المغرب على كل المستويات.

المواطن المغربي لم يعد متلقيًا سلبيًا للخطاب السياسي؛ أجيال جديدة تعتمد على المعلومات الرقمية والتحليل الشخصي، وتزداد حساسية المجتمع تجاه الشفافية والكرامة والمصداقية، فيما أصبح السلوك الانتخابي أكثر تقلبًا وتفاعلاً مع الأحداث اليومية. الأحزاب التي تعرف كيف تقرأ هذه التحولات، وتستشرف دوافع المواطنين النفسية والاجتماعية، هي التي ستنجح في البقاء والتأثير.

إن فهم التحولات النفسية للمجتمع، من أحلام الشباب إلى مخاوف الفئات المختلفة، أصبح ضرورة قصوى لأي حزب يسعى ليكون جزءًا من المغرب الصاعد، المغرب الذي يفرض نفسه بقوة في التنمية والابتكار والثقافة والحضور الإقليمي والدولي.

التجارب الدولية توفر لنا نماذج ملهمة لا يمكن تجاهلها. فرق مثل Behavioural Insights Team في المملكة المتحدة استخدمت علم النفس السلوكي لتحسين الأداء المؤسسي، تصميم السياسات، وتحفيز التغيير الإيجابي، بينما شركات مثل Cambridge Analytica وظفت علم النفس لفهم الشخصيات الجماعية للناخبين وصياغة رسائل مخصصة خلال الحملات الانتخابية.

هذه التجارب تؤكد أن العمل السياسي المبني على آليات علمية لا يقتصر على كسب الأصوات، بل يمتد لإعادة هندسة الأحزاب داخليًا، وفهم المجتمع، وتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية بطريقة دقيقة وعميقة.

في المغرب، الأحزاب التي ستستمر هي تلك التي تدرك أن العمل السياسي اليوم يتطلب أدوات علمية لفهم المجتمع وتحليل التحولات النفسية للسكان، وأن استراتيجيات الشعارات والخطب وحدها لم تعد كافية. هذه الأحزاب ستبني هيكلية داخلية قوية قادرة على احتواء الصراعات، ستفهم التغيرات المجتمعية العميقة، وستترجم التحولات النفسية للناخبين إلى سياسات وبرامج ملموسة تتجاوب مع الواقع.

باختصار، الأحزاب التي ستستمر هي تلك التي تستثمر في علم النفس السياسي، وتحلل الواقع الاجتماعي بموضوعية، وتفهم الإنسان قبل أن تفهم السياسة، وتبني قيادتها وتنظيمها على أسس علمية، وتحوّل التحديات الاجتماعية والنفسية إلى فرص لإعادة بناء الثقة بين الحزب والمواطن. أي حزب يتجاهل هذه المعادلة العلمية سيظل عرضة للتراجع، مهما بدت قوته وكثرة شعاراته على السطح. الاستمرارية اليوم هي نتيجة معرفة الإنسان وفهم تحولات المجتمع، وتوظيف العلم كأداة استراتيجية للنجاح السياسي المستدام، بما ينسجم مع رؤية المغرب الصاعد، المغرب الذي يفرض نفسه على خارطة التنمية والإبداع والحداثة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *