الريف ليس سلعة !

الريف ليس سلعة !

- ‎فيرأي, شن طن, واجهة
الزفزافي الريف نجيبة جلال 2

راديو إكسبرس

البث المباشر

بقلم نجيبة جلال

ليس من العدل ولا النزاهة الفكرية أن تستمر أقلام في استغلال أحداث الريف لتصوير الدولة كطرف وحيد مسؤول عن كل ما جرى، التاريخ القريب يثبت أن ما آل إليه هذا الملف هو نتيجة حتمية لتحول مطالب اجتماعية عادلة بفعل التحريض إلى انزلاقات خطيرة وأفعال إجرامية، لا علاقة لها بالاحتجاج السلمي.

هنا فشل السياسيون والنخب المحلية في القيام بدورهم، وغابت الوساطة، فتركت الساحة خالية لمن يبحثون عن إشعال النار بدل إطفائها.

من البداية، راهنت الدولة على التنمية الميدانية عبر مشاريع “منارة المتوسط”، لكنها واجهت شبابا دفعهم الآخرون إلى التصعيد، مُغرَرين بشعارات قصوى لا تخدم سوى أجندات ضيقة. النتيجة: تحولت المطالب الاجتماعية إلى قضايا أمام القضاء، وسنوات من المعاناة كان يمكن تفاديها لو قام السياسيون بدورهم الطبيعي.

الدليل الأبرز على إرادة الدولة في احتواء الجرح هو السماح لناصر الزفزافي بالخروج من سجنه لتشييع جنازة والده، وقبل ذلك السماح له بزيارة والدته قبل عملية جراحية، و ايضا كان قد زار والده عندما اشتد عليه المرض في خطوات إنسانية ووطنية واضحة، المفارقة أن الزفزافي اليوم يوجه رسائل غمز بها لأولئك الذين استغلوه بالأمس، مؤكدا أن الوطن ليس قضية محلية يمكن التلاعب بها، بل هو كل شبر من البلاد.

عندما قال الزفزافي: “لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن”، كانت رسالة لكل الشباب المغاربة: لا للوقوع في فخ التحريض، ولا لاستغلال الهوة الاجتماعية لتحقيق مكاسب ضيقة. رسالته كانت رفضا واضحا لتحويل شباب الريف إلى وقود لأجندات لا علاقة لها بمصلحة الشعب أو كرامة المواطن.

خطاب الزفزافي شكل نقطة فاصلة وضربة قاضية لتجار القضية الذين حولوا اسمه إلى سلعة. أعلن بوضوح أن استخدام اسمه لقلب الموازين ضد الوطن لم يعد مسموحا، وأن الانتماء للوطن هو المبدأ الأعلى، وما عداه مجرد مناورات انكشفت اليوم.

أما من يحاول اليوم إلصاق المأساة بالدولة وحدها، فهو يتجاهل السؤال الجوهري: أين كانت الأحزاب والنخب المحلية؟ أين الوسطاء الطبيعيون الذين يفترض بهم تحويل المطالب إلى حلول؟ لقد تخلوا عن دورهم وتركوا الشباب فريسة سهلة للتحريض، ثم انسحبوا عند انفجار الأوضاع.وهذا ما يجب نقاشه اليوم لا تحريف الحقائق …

الحقيقة واضحة: الدولة تحملت مسؤولية الحفاظ على الأمن العام، فيما فشل السياسيون في تحمل مسؤولية التأطير. اليوم المطلوب ليس تكرار الحديث عن “المقاربة الأمنية”، بل مواجهة الذات، ومحاسبة من حرض الشباب، وتفعيل مصالحة حقيقية تعتمد على التنمية والوساطة السياسية، لا على استغلال الأزمات انتهازياً

المغرب مستمر في مساره التنموي، والريف جزء منه. والزفزافي نفسه – وإن متأخرا – أدرك أن الوطن لا يختزل في منطقة أو شعار، بل هو بيت واحد يجب أن نصونه جميعا من عبث المحرضين وخيانة النخب العاجزة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *