القناص
عرفت الأوساط الصحفية المغربية في مطلع الألفية اسماً كثير التطفل، دائم اللهاث خلف الفرص، لا تحركه لا مهنة الصحافة ولا أخلاقياتها، بل شيء واحد فقط: الجشع والانتهازية. اسمه الحسين المجدوبي، والعارفون ببداياته يتهامسون حتى اليوم بسخرية عن “الزهر” الذي خاصمه منذ قرر أن يصبح صحافياً، أو بالأحرى، منذ قرر أن يقتات من مهنة لم ينجح يوماً في إتقانها.
فشل في أن يصنع له اسماً في جريدة “العلم”، ثم جرجر خيبته إلى “الصحيفة”، ثم “دومان ماغازين”، وفي كل محطة، ترك وراءه انطباعاً واحداً: كثير الطلبات، قليل المردودية. فأغلب المحطات التي وقف فيها كانت لجرائد لفظته أو طالها نحسه فاغلقت ابوابها !
الحسين المجدوبي واحد من هؤلاء، أو بالأحرى، أحد رموز الصحافي الطامع الذي لم يترك باباً إلا طرقه، ولم يترك جيباً إلا وحاول اقتحامه… باسم “الحرية” حيناً، وباسم “النضال” حيناً آخر، وفي كل الأحوال باسم “مصلحته الشخصية”.
فشل المجدوبي في أن يصنع له مساراً في جرائد مثل “العلم” و”الصحيفة” و”دومان ماغازين”، فانتهى به المطاف إلى مكاتب كريم التازي مدير “ريشيوند”، يفاوضه على مشروع إعلامي بـ200 مليون سنتيم. لكن الحظ الذي كان ينظر إليه من بعيد منذ أول مقال كتبه، واصل تجاهله له، وفشلت الصفقة رغم أن كريم التازي كان حينها يمول حتى “الجدران اللي تسمع . ربما “النحس” (وربما السمعة!) كانت أسرع من الحبر، ولم يتم المشروع أبداً، رغم أن الرجل المعروف بـ”الكرم السياسي” كان قد موّل تجارب أقل منه شأناً.
ثم ظهر الأمير هشام… ومعه الشيكات. 90 مليون سنتيم اقترضها المجدوبي، ضَخَّ منها 30 مليوناً في تجربة إعلامية, كانت في بدايتها، لنور الدين مفتاح، جريدة الايام التي لا تزال تصدر الى اليوم ، فهنيئا لمفتاح الذي فطن باكرا ان المجدوبي صحفي منحوس و تخلص منه قبل أن يصيب نحسه جريدة الايام و تقفل كما سالفاتها.
وبقيت 60 مليوناً لا أحد يعلم كيف وُزعت. توفيق بوعشرين أيضاً كان من المستفيدين، وبالمناسبة، في إحدى فترات البرود في علاقة المجدوبي و بوعشرين مع صديقهم المشترك علي لمرابط، خرج هذا الاخير ليؤكد أنه رأى الشيكات بأم عينه. ديون الامير التي لم يسترجعها ابدا ، كما يبدو، !
ومع هذا “القرض “، تغير حال المجدوبي فجأة. شقة في تطوان، وأخرى في “كرندا”، وسيارة فارهة بلون أحمر مشع!وهنا، لابد من وقفة:منذ متى يشتري الرجل المغربي سيارته باللون الأحمر؟في ثقافتنا، السيارة الحمراء غالباً ما تُربط بـ”الفتنة”، “التهور”، أو أشياء أخرى يصعب قولها في مقال محترم!الرجل المغربي المحافظ يختار الأسود، الرمادي، أو على أقصى تقدير “البيضاء المهزوزة”، أما المجدوبي فكان استثناء.ومثلما اقتنى هو سيارة حمراء فاقعة، خرج رفيقه توفيق بوعشرين في بودكاسته الأول، متعمداً ارتداء إيشارب أحمر… صدفة؟ رمزية؟ أم تيمن بشيء ما؟الله أعلم، لكن الأكيد أن اللون الأحمر هنا، يحمل سرا لا يعرفه الا المجدوبي و توفيق….!
اشترى المجدوبي شقة في تطوان، وأخرى في كرنْدا، وسيارة فارهة حمراء كان يلف بها في مدن الشمال والرباط كلما حنّت نفسه لرؤية الأمير أو أحد “رفاق الحلم الضائع”. كل هذا بـ90 مليون؟ بالطبع لا. فالسؤال عن مصادر تمويل الحسين المجدوبي ظل معلقاً، إلى أن جاءت سنة 2003، لتسقط القناع، تم الاستماع إلى المجدوبي في قضية منير الرماش، أحد أخطر الملفات حينها. وُضع تحت الحراسة النظرية ، وتمت متابعته بتهم تتعلق بالرشوة، الفساد، وعدم التبليغ عن جريمة من العيار الثقيل. كتب مقالاً ممولا لصالح تاجر دولي للمخدرات !
وادعى حينها إنه “اختُطف”. لكن وزير العدل الأسبق محمد بوزوباع أخرج الحقيقة من الجحر، وأكد في تصريح له أن المجدوبي حضر بنفسه إلى مقر الشرطة بعد توصله بالاستدعاء. لا اختطاف، لا هم يحزنون… فقط محاولة للركوب على “أسطوانة الاختفاء القسري” التي أصبحت لاحقاً موضة عند العشيرة.
تاريخ الرجل، إذن، ليس فقط مليئاً بالفشل و النحس ،بل هو حافل أيضاً بكل وصفات التشكيك والتشويه والتلون. من التشهير بالمسؤولين إلى اللعب بورقة “الأمن في خطر”، إلى تعليم العشيرة اليوم كيف يُقلب الاستدعاء إلى “اختطاف” كيفما اتفق.
الحسين المجدوبي لم يكن يوماً صحافياً يبحث عن الحقيقة، بل مشروع مضارب في أسواق الإعلام والتمويل، يركب الموجة حيناً، ويصبغها باللون الأحمر حيناً آخر!
لكن السؤال الذي يبقى قائماً:
إلى أين أوصل الجشع والانتهازية هذا الرجل؟
!الجواب… في الحلقة المقبلة!
1 133 زيارة , 1 زيارات اليوم