اوسار أحمد/
في مدينة نيويورك، وسط تنوع الهويات واختلاف الثقافات، حافظت جمعية “البيت المغربي الأمريكي” على مكانة خاصة داخل الجالية المغربية. منذ تأسيسها سنة 2011، اختارت الجمعية الاشتغال على المدى البعيد، دون بهرجة أو ضجيج، واضعة نصب أعينها هدفًا واضحًا: تقوية الروابط بين المغاربة المقيمين في الولايات المتحدة والحفاظ على هويتهم في بيئة لا ترحم من ينسى أصله.
تقود الجمعية رشيدة شلال، المرأة التي لا تحب الأضواء، لكنها تملك قدرة نادرة على الفعل المنظم. تحت إشرافها، تحولت الجمعية إلى نقطة التقاء بين الأجيال، بين مغاربة وصلوا حديثًا وآخرين ولدوا هناك، لكنها لم تكن مجرد فضاء اجتماعي، بل منصة تشتغل على مشاريع دقيقة ومستمرة.
أبرز هذه المشاريع، مدرسة الأمل، التي أُطلقت بشراكة مع وزارة الجالية المغربية سنة 2015، ولا تزال قائمة إلى اليوم. يستفيد منها أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة، يتعلمون العربية، ويتعرفون على الثقافة المغربية من خلال مواد وأنشطة تبني الرابط مع الوطن الأم، وتُحصّنهم من الذوبان التام في المجتمع الأمريكي.
لكن عمل الجمعية لم يتوقف عند التعليم. الأنشطة الرياضية، خصوصًا دوري كرة القدم السنوي، شكّلت مناسبة لتقوية اللحمة داخل الجالية. أما اللقاءات التوعوية الصحية والتربوية، فكانت استجابة لاحتياجات حقيقية، خاصة لدى الأسر حديثة الاستقرار أو ذوي الدخل المحدود.
في لحظات الأزمات، أثبتت الجمعية حضورها الفعّال. خلال جائحة كورونا، كانت من أوائل الهيئات التي بادرت إلى التحرك. تحت إشراف رشيدة شلال، انطلقت مبادرات دعم مباشر للطلبة العالقين، الأرامل، والعائلات المتضررة. وتمكنت الجمعية، بشراكة مع القنصلية المغربية، من تحويل التضامن من مجرد عاطفة إلى عمل منظم. المساعدات شملت أيضًا أسرًا داخل المغرب، ما يؤكد اتساع نظرة الجمعية وارتباطها العميق بوطنها الأم.
رشيدة شلال، بصفتها رئيسة الجمعية، حريصة على أن تظل كل مبادرة في خدمة الجالية أولًا، وفي احترام تام لصورة المغرب ومؤسساته. لا تتحدث كثيرًا عن ما تحقق، لكنها تعرف جيدًا قيمة الاستمرارية وجودة الأداء. وتحرص على أن تبقى الجمعية بعيدة عن التوظيف السياسي أو الشخصي، ملتزمة بمبدأ الشفافية والعمل الجماعي.
التتويج الدولي الذي حظيت به رشيدة في مارس 2025 من طرف جمعية القناصلة العامين الأجانب (SoFC)، لم يكن فقط تكريمًا لشخصها، بل إقرارًا بنموذج جمعوي مغربي ناجح يُمثله “البيت المغربي الأمريكي”. حضور القنصل المغربي عبد القادر جموسي ومسؤولين من عدة دول في حفل التكريم يعكس مدى الاحترام الذي تحظى به الجمعية في محيطها الدولي.
في زمن يشكو من ضعف التأطير وضعف الروابط بين الجاليات ووطنها، تقدم جمعية “البيت المغربي الأمريكي” نموذجًا ناضجًا لمؤسسة تُصغي، تُبادر، وتبني الثقة من جديد. مؤسسة تحولت إلى بيت حقيقي، لا بالاسم فقط، بل بالفعل.