محمد أمين نجيم يعرض بالصويرة : من شفاء الأجساد إلى شفاء الزجاج.

محمد أمين نجيم يعرض بالصويرة : من شفاء الأجساد إلى شفاء الزجاج.

- ‎فيثقافة وفن, واجهة
Capture decran 2025 08 26 135724

راديو إكسبرس

البث المباشر

 

Capture decran 2025 08 26 135632

يشهد فضاء برج باب مراكش بمدينة الصويرة، إلى غاية 10 شتنبر 2025، حدثاً فنياً استثنائياً يتمثل في المعرض الفردي للطبيب والفنان محمد أمين نجيم. يحمل المعرض عنوان « مير وار »، وهو عنوان دال يستحضر جدلية الانكسار والانعكاس، ويستدعي العلاقة المعقدة بين الصورة والذاكرة والهوية.
المعرض ليس مجرد عرض لأعمال فنية، بل هو مشروع جمالي وفكري يزاوج بين الممارسة الطبية بما تحمله من دقة وعناية، وبين المغامرة الفنية بما تحمله من خيال ورغبة في التجاوز.

Capture decran 2025 08 26 135657

لقد حظي االمعرض بحضور لافت لعدد من النقاد والفنانين (من بينهم المصطفى خليلي، محمد بوعافية، أحمد حروز…) إلى جانب شخصيات مؤسساتية بارزة كمديرة الثقافة بالصويرة رانيا خويا ، ومديرة بيت الذاكرة غيثة الرابولي ، ورئيس جمعية الصويرة-موكادور طارق العثماني. هذا الحضور الوازن منح المعرض بعداً رمزياً، وفتح نقاشاً خصباً حول دور الفن المعاصر في تثمين التراث المعماري والإنساني للمدينة.

ثنائية الطب والفن: تقاطع الحقول

Capture decran 2025 08 26 135737

ينتمي محمد أمين نجيم إلى فئة خاصة من المبدعين الذين يعبرون الحدود بين الحقول المعرفية، حيث مارس الطب وولج في الوقت نفسه إلى الفن التشكيلي. هذه المزاوجة ليست عابرة، بل تشكّل العمود الفقري لتجربته، إذ تمنحه أدوات دقيقة للتعامل مع المادة الفنية، وتضفي على أعماله حساسية متميزة.
في حوار داخلي مع نفسه يجيب الفنان عن السؤال المتكرر: لماذا اخترت الزجاج والمرايا؟ فيقول إن البداية كانت مصادفة مرتبطة بابن عمته الذي كان يصنع المرايا ويزينها بالزجاج، لكن المصادفة تحولت إلى مصدر إلهام دائم. ومن هنا وُلدت علاقة وجودية بين الفنان والزجاج، علاقة تقوم على التشابه بين هشاشة الإنسان وقابلية الزجاج للانكسار.

إذا كان الزجاج حين ينكسر يتحول إلى شتات لا يُستعمل، فإن الإنسان –بحسب الفنان– يزداد صلابة ونضجاً مع كل انكسار. هنا يبرز البعد الفلسفي لأعماله: الفن محاولة لإعادة بناء الذات والوجود من خلال شظايا الانكسار.

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.38 2

الزجاج كجسد: من التشكل البيولوجي إلى التشكيل الفني

يشدد الباحث في الفلسفة والفنون ياسين اغلالو على أن تجربة نجيم تمثل انتقالاً من «التشكل البيولوجي إلى التشكيل الفني». فالزجاج مادة حساسة تجمع بين الصلابة والهشاشة، تماما كالجسد البشري. الطبيب الذي تعوّد على التعامل مع الأجساد المريضة يعيد في مرسمه إحياء الزجاج المكسور، فيمنحه حياة جديدة، وكأن الأمر يتعلق بعملية علاج رمزية: من المرض إلى الشفاء، ومن الموت إلى الحياة.

لوحة الجنين المصنوعة من قطع الزجاج مثال بليغ على هذه المقاربة، إذ يستعيد الفنان من خلالها رحلة التكوين البيولوجي عبر تجميع الشظايا الزجاجية قطعةً قطعة، في إحالة على النمو التدريجي للجنين داخل الرحم. هنا يلتقي الطب مع الفن، والعلم مع الخيال، في وحدة إبداعية نادرة.

الذاكرة والمرآة: جدلية الانعكاس والانكسار

المعرض بعنوانه « مير وار » يفتح الباب واسعاً أمام التأويل. فالمرآة ليست مجرد سطح عاكس، بل هي جهاز رمزي يحيل على الهوية والانتماء والذاكرة. المرآة تعكسنا لكنها في الوقت نفسه تجزئنا، تكشف تناقضاتنا، وتضعنا أمام انكساراتنا الداخلية.
من هنا، يتحول العمل الفني إلى سردية بصرية عن الذات الجماعية، عن تاريخ مدن مثل الصويرة، وعن الذاكرة الممزقة التي يحاول الفنان لملمتها عبر شظايا الزجاج.

الكاتب والصحفي الفرنسي خوسيه لينزيني التقط هذه الأبعاد حين شبّه أعمال نجيم بممارسة الطبيب المسلم الكبير الرازي، الذي كان يرى في الطبيب مرآة صافية تعكس آلام المريض لا اضطراباته الخاصة. على هذا النحو يصبح الفنان، مثل الطبيب، وسيطاً بين الانكسار والشفاء، بين العتمة والضوء.

حضور الصويرة: المدينة كمرسم مفتوح

تنعكس مدينة الصويرة في أعمال نجيم بوصفها مسرحاً مفتوحاً أو ورشة جماعية. فقد استلهم الفنان أبواب المدينة العتيقة، أمواج البحر، وشجر الأركان، وجسّدها في لوحات زجاجية تحتفي بالهوية المحلية والبيئة الإيكولوجية للمدينة.
اختيار العمل في الهواء الطلق، وفي الفضاء العمومي، يعبّر عن إيمان بالديمقراطية الثقافية، حيث يتحول الفن إلى فعل يومي يتقاسمه المواطنون، وليس حكراً على النخب. هذا الارتباط بالمدينة والفضاء العمومي يرسخ تجربة الفنان ضمن سياق الفن المواكب لقضايا البيئة والمجتمع.

بين الدقة العلمية والحرية الفنية

أحد العناصر البارزة في أعمال نجيم هو توازنها بين الدقة الهندسية المستمدة من خلفيته العلمية، والانفلات الجمالي الذي يتيحه الفن. التعامل مع الزجاج يتطلب حساً رياضياً وهندسياً، لأن القطع الصغيرة لا يمكن أن تنتظم إلا وفق حسابات دقيقة. وفي المقابل، فإن هذه الحسابات لا تلغي الطابع الشعري للعمل، بل تمنحه بعداً إضافياً، حيث تلتقي الصرامة العلمية مع الحلم الفني.

البعد الفلسفي والإنساني

يتجاوز المعرض الجانب البصري ليدخل فضاء التأمل الفلسفي. فالمرآة هنا ليست مرآة فردية، بل مرآة جماعية تعكس المجتمع المغربي في تحوله، وانكساراته، وبحثه عن هوية متوازنة. كل قطعة زجاج هي جزء من صورة أكبر، وكل انكسار هو شرط لإعادة البناء.
من هذا المنطلق، تمثل تجربة محمد أمين نجيم مجازاً إنسانياً حول إمكانية تحويل الألم إلى جمال، والشرخ إلى وحدة، والانكسار إلى نضج.

السيرة الذاتية: مسار مزدوج

وُلد محمد أمين نجيم في الصويرة سنة 1996 وسط أسرة متواضعة، وتفوق في دراسته حتى حصل على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية (2014)، قبل أن يلتحق بكلية الطب حيث نال الدكتوراه سنة 2022. غير أن مساره العلمي لم يُبعده عن شغفه بالفن التشكيلي الذي لازمه منذ الصغر، إذ مارس إلى جانب دراسته الرسم، الشعر والزجل.
خلفيته الطبية لم تكن حاجزاً بل كانت رافعة لفنه، إذ مكنته من امتلاك صبر ودقة نادرة في التعامل مع المواد الصعبة كالمرايا والزجاج. ومن خلال هذا المسار المزدوج يقدّم نفسه كـطبيب-فنان يوظف العلم في خدمة الخيال، والفن في خدمة الحياة.

ما يجعل تجربة نجيم ذات فرادة هو أنها تتحرك في مستويين متوازيين:

1. المستوى المحلي: استلهام الصويرة كفضاء معماري وثقافي وبيئي.

2. المستوى الكوني: طرح أسئلة كبرى حول الهوية، الذاكرة، العلاقة بين الكسر والشفاء، بين الضوء والظل.
بهذا المعنى، يقدم الفنان عملاً قابلاً للقراءة في سياق مغربي خاص، لكنه في الوقت نفسه يفتح على أسئلة إنسانية شاملة حول هشاشة الوجود وطاقته على التجدد.
نحو مرآة مشتركة

يمكن القول إن تجربة محمد أمين نجيم تمثل نموذجاً لجيل جديد من الفنانين المغاربة الذين يزاوجون بين التخصصات، ويؤمنون بأن الفن ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية ومعرفية. فالمعرض ” مير وار ” ليس سوى خطوة أولى في مسار واعد يجمع بين صرامة الطبيب وحلم الفنان.
إنه إعلان بأن الانكسار ليس ؤنهاية، بل بداية لتشكل جديد، وأن الفن هو الطريق إلى جعل الشظايا مرآة تعكس إنسانيتنا المشتركة.

مع رئيس جمعية الصويرة موكادور طارق العثماني

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.07

مع الناقد الفني عبد الله الشيخ

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.08 1

مع الفنانين المصطفى خليلي و محمد بوعافية

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.08

مع مديرة بيت الذاكرة غيثة الرابولي

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.09 1

مع المعلم عمر الحيا الذي رسم بورتريه

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.09

مع مديرة الثقافة رانيا خويا

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.10

تصوير : عبد المجيد كركار 

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.39

WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.38 WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.38 3 WhatsApp Image 2025 08 26 at 15.01.38 1

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *