راديو إكسبرس
البث المباشر
يزداد خطاب عبد الله البقالي ارتباكا كلما حاول الظهور في ثوب “صاحب الموقف”. ليس فقط لأنه قيادي في حزب الاستقلال، الحزب الذي أسس لمسار التطبيع وشارك فيه ووقع اتفاقياته، بل لأنه مدير نشر جريدة العلم، اللسان الرسمي للحزب، والمسؤول الأول سياسيا وأخلاقيا عن خطها التحريري.
وهنا تبلغ المفارقة ذروتها.
فعبد الله البقالي، الذي يعلن اليوم أنه “لا يمكنه الحديث مع صحافي إسرائيلي”، هو نفسه الذي كانت تصدر جريدته، تحت إدارته ومسؤوليته الكاملة، مواد صحافية تشيد باتفاقيات وزراء حزب الاستقلال مع إسرائيل، وتبرزها ك” إنجازات حكومية”، وتضعها في واجهة الصفحات، مرفقة بالصور الرسمية، وبالأعلام الإسرائيلية إلى جانب الأعلام المغربية، دون أي حرج، ودون أي تحفظ، ودون أي “موقف”.
في 21 فبراير 2022، حين وقع رياض مزور اتفاق التعاون الاقتصادي مع وزيرة الاقتصاد الإسرائيلية أورنا باربيفاي، لم تصدر جريدة العلم بيان مقاطعة، ولا افتتاحية غضب، ولا حتى سطر اعتراض. بل جرى تقديم الحدث في سياقه “الطبيعي”، كما تقدم إنجازات الدولة، وكما تصفف الأخبار التي يراد لها أن تقرأ بإيجابية.
وفي 23 مارس 2022، عندما وقعت مذكرة التفاهم في الصناعات الجوية، لم تعتبر الجريدة ذلك “تطبيعا مرفوضا”، بل تعاونا صناعيا، استثمارا، وانفتاحا. نفس الأمر تكرر مع لقاءات نزار بركة في مارس 2023 بنيويورك مع الوزير الإسرائيلي أوفير أكونيس. كل ذلك مرّ بهدوء تام عبر آلة الحزب الإعلامية.
وهنا لا نتحدث عن صحافي مغمور، ولا عن محرر هاوي، بل عن مدير نشر، يعلم جيدا أن الصورة تنشر بقرار، والعنوان يختار بقرار، والخط التحريري يرسم بقرار. ومع ذلك، لم نسمع عن عبد الله البقالي أنه اعترض، أو امتنع، أو رفض، أو استقال، أو حتى عبر عن انزعاج.
فكيف نفهم اليوم هذا “الموقف” المتأخر؟
كيف يمكن لمن كان يضع، أو على الأقل يسمح بوضع، الأعلام الإسرائيلية إلى جانب صور وزراء حزبه في جريدة “مدرسته في النضال”، أن يخرج اليوم ليعطينا دروسا في المقاطعة، ويزايد أخلاقيا على الصحافيين؟
أليس من حق الرأي العام أن يتساءل بسخرية مرة،أي مدرسة نضالية هذه التي تصف فيها الصور الرسمية، وتبارك فيها الاتفاقيات، ثم يعاد إنكارها حين يتغير المزاج العام ليتماشى مع خطاب الهضراوي؟
هنا تتضح الصورة أكثر، نحن لا أمام “موقف”، بل أمام خطاب انتقائي.
لا أمام مبدأ، بل أمام ازدواجية مريحة.
ولا أمام ضمير مهني، بل أمام شعبوية إعلامية تبحث دائما عن الموجة الأعلى صوتا.
وحين نضع كل ذلك في سياق وجود عبد الله البقالي داخل المجلس الوطني للصحافة، يصبح السؤال مشروعا بل وضروريا، هل كان يمثل الصحافيين فعلا؟
أم كان يمثل هذا الخطاب المزدوج، الذي يطبع حين تكون الكاميرات الحكومية حاضرة، ويقاطع حين تكون الشعبوية مطلوبة؟
لأن منطق الأشياء لا يرحم، فمن يرفض الحديث مع صحافي إسرائيلي بدعوى “الموقف”، لا يمكنه أن يكون في الوقت نفسه مدير نشر لجريدة تشيد باتفاقيات التطبيع وتلمعها. هذا ليس اختلاف زوايا نظر، بل تناقض فج.
ويبقى السؤال معلقا، أكثر حدة من أي وقت مضى، هل عبد الله البقالي صاحب موقف أخلاقي ثابت؟ أم مجرد صوت يغير نبرته حسب اتجاه الريح، دون أن يجرؤ يوما على مواجهة حزبه أو تاريخه القريب؟
![]()









