بين الشاي الأخضر والشباكية.. المغاربة في الصين ينسجون خيوط الألفة والتبادل الثقافي

بين الشاي الأخضر والشباكية.. المغاربة في الصين ينسجون خيوط الألفة والتبادل الثقافي

- ‎فيثقافة وفن, واجهة
Capture decran 2025 11 11 133456

راديو إكسبرس

البث المباشر

اوسار احمد _ القنيطرة

في السنوات الأخيرة، أصبحت الصين وجهة متزايدة الجذب للطلبة المغاربة الراغبين في توسيع آفاقهم الأكاديمية والثقافية. فبين جامعاتها الحديثة ومدنها المتسارعة النمو، يجد الشباب المغربي نفسه أمام تجربة مختلفة كليًا، تعلّمه بقدر ما تغيّر نظرته للحياة.

من بين هؤلاء، هدى الحقيقي، طالبة مغربية اختارت دراسة اللغة الصينية في جمهورية الصين الشعبية، قبل أن تعود إلى المغرب لتواصل تدريسها ونقل ما راكمته من معرفة وتجربة إنسانية غنية.

دهشة البداية وسحر التفاصيل

تحكي هدى أن انطلاقتها الأولى في الصين كانت مزيجًا من الدهشة والفضول، إذ لم تتوقع أن تجد في قاعات الدرس علاقة ودّية بهذا الشكل بين الأساتذة والطلبة. تقول:

 “منذ أول أسبوع أحسست أنني وسط عائلة، الأساتذة في الصين لا يضعون حواجز مع الطلبة، يعاملونهم كأصدقاء ويهتمون بتفاصيلهم، وهذا ما جعلني أندمج بسهولة.”

 

تضيف أن ما لفت انتباهها أيضًا هو التطور التكنولوجي والاقتصادي المذهل في الصين، “كل شيء هناك يسير بسلاسة بفضل التكنولوجيا، وهذا يسهّل الحياة اليومية والتعلم بشكل كبير.”

الاندماج السلس رغم الغربة

رغم المسافة الثقافية، لم تجد هدى صعوبة تُذكر في التأقلم داخل المجتمع الصيني، بفضل إتقانها اللغة قبل السفر. تقول بابتسامة:

كنت أعرف أساسيات اللغة، وهذا ساعدني كثيرًا. كما أن الصينيين الذين التقيتهم كانوا متعاونين ولطفاء، وصديقتي المغربية التي كانت معي في البداية ساعدتني كثيرًا في التغلب على إحساس الغربة.”

 

وتضيف أن فضول الصينيين تجاه المغرب كان طريفًا وجميلاً في آن واحد:

 “كانوا يسألونني باستمرار: من أين أنتِ؟ لماذا تختلف ملامح المغاربة؟ وأين يقع المغرب؟ وبعضهم يربط المغرب بكأس العالم أو بكازابلانكا!”

تجربة أكاديمية مختلفة

تعتبر هدى أن التعليم في الصين تجربة مميزة على جميع المستويات، إذ يركز على التطبيق والانفتاح والتفاعل بين الثقافات.

الأساتذة في الصين كفؤون جدًا ومتعاونون، والطلبة يأتون من كل أنحاء العالم. هذا التنوع جعلني أتعلم أشياء لا توجد في الكتب، بل في الاحتكاك اليومي بالآخر.”

 

كما وصفت الحياة الجامعية بأنها “منظمة ومريحة”، مشيرة إلى أنها كانت تسكن في الحي الجامعي القريب من الفصول الدراسية، مما منحها وقتًا للمراجعة واكتشاف المدينة بالدراجة التي جمعتها بنفسها.

تضامن مغربي في الشرق البعيد

خلال إقامتها، اكتشفت هدى أن الجالية المغربية في الصين صغيرة لكنها متماسكة بشكل لافت، حيث يتواصل المغاربة عبر مجموعات على تطبيق “ويشات” لتبادل النصائح والمساعدة.

كنا نتعاون في كل شيء: من البحث عن الأكل الحلال، إلى تبادل روابط المنتجات، وحتى تحضير الأطباق المغربية في رمضان والأعياد. المسمن والشباكية وسلو كانت تجمعنا حول المائدة وكأننا في بيوتنا بالمغرب.

تعايش واحترام متبادل

رغم الاختلاف الديني والثقافي، تؤكد هدى أنها لم تواجه أي مضايقات بخصوص هويتها أو حجابها:

 “الحجاب عادي هناك، الناس يسألون بدافع الفضول لا الرفض. يوجد مساجد في كل المدن الصينية، ولم ألاحظ أي تمييز ضد المسلمين.”

 

وتروي بابتسامة كيف كان الصينيون يستغربون بعض العادات المغربية مثل التحية بالتقبيل:

 “فكنا نكتفي بالمصافحة، ومع الوقت صاروا يتفهمون ذلك كجزء من ثقافتنا.”

دروس من الشرق إلى المغرب

بعد عودتها إلى المغرب، تحمل هدى الحقيقي معها دروسًا كثيرة من التجربة الصينية، ترى أنها غيّرت نظرتها للحياة والعمل.

 “تعلمت من الصينيين قيمة الانضباط واحترام الوقت، فهم لا يملّون من العمل، ولا يتركون الأمور للصدفة. لديهم حسّ عالٍ بالمسؤولية تجاه وطنهم. هذه الروح نحتاجها نحن أيضًا في المغرب.”

وتضيف متأملة:
الصينيون يشبهون المغاربة في دفئهم الاجتماعي، لكنهم أكثر التزامًا بالنظام والجدية. تلك المعادلة بين القلب والعقل هي ما يجعلهم يتقدمون.”

تجربة هدى الحقيقي، وغيرها من الشباب المغاربة الذين اختاروا الصين، تؤكد أن الاندماج لا يعني الذوبان، بل التفاعل الإيجابي بين ثقافتين تلتقيان في قيم العمل والاحترام والتعاون.
في قلب الشرق الأقصى، يكتب المغاربة فصلًا جديدًا من قصص التبادل الثقافي، عنوانه: البساطة، الفضول، والرغبة الصادقة في التعلّم.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *