كشف المعادن: من هواية فردية إلى رياضة جماعية ذات طابع ثقافي في المغرب

كشف المعادن: من هواية فردية إلى رياضة جماعية ذات طابع ثقافي في المغرب

- ‎فيواجهة, منوعات
gold seeker metal detector 03

راديو إكسبرس

البث المباشر

أصبحت هواية كشف المعادن في المغرب، التي كانت تقتصر في البداية على فئة محدودة من الأشخاص، رياضة تُمارس بشغف من قبل الجميع، رجالاً ونساءً وأطفالاً. في مدن مثل أكادير، حيث يُنظم رالي يجذب المهتمين بهذه الرياضة، يُظهر المشاركون ارتباطهم العميق بالبحث عن آثار قديمة تروي قصة تاريخ المغرب الغني. تجمع هذه الرياضة بين النشاط الجسدي والصبر، وتُعد نافذة لفتح أبواب التاريخ من خلال القطع المعدنية التي يتم اكتشافها.

ويؤكد أحد الهواة المتمرسين الذي يمارس هذه الهواية منذ خمس سنوات: “هي رياضة شاملة، يمكن لأي شخص ممارستها، من دون أن تقتصر على جنس أو عمر”. ومن هنا، يبرز الجانب التنظيمي لهذه الهواية، حيث لا يُسمح لها بأن تكون عشوائية أو عابرة، بل يُشرف عليها مجموعة من القوانين الصارمة التي تُنظم ممارستها، وعلى رأسها احترام البيئة وحمايتها من أي ضرر.

يتفق المشاركون على المبادئ الأساسية لهذه الرياضة، مثل الامتناع عن الحفر في المواقع الأثرية المعترف بها، أو التعدي على الغابات المحمية أو المقابر. كما يُشدد على ضرورة ممارسة هذه الهواية في أوقات النهار فقط، وتجنب البحث في الليل. من خلال هذه القواعد، يسعى الهواة إلى تصحيح الفكرة السائدة التي تربطهم بالبحث عن “الكنوز” المدفونة. يقول أحدهم: “أجهزتنا لا تصل إلى أعماق كبيرة، نحن نبحث عن قطع أثرية أو عملات قديمة على السطح تكشف لنا عن حضارات كانت هنا قبلنا”.

قصص الهواة في هذا المجال متنوعة، وتُظهر كل واحدة منها تعلقًا عميقًا بهذه الرياضة. يروي أحد المشاركين كيف صنع جهاز كشف المعادن بنفسه للمشاركة في رالي بمدينة الدار البيضاء، نظرًا لعدم قدرته على شراء جهاز غالٍ الثمن. المفارقة أن هذا الجهاز اليدوي حقق له الفوز بالجائزة الأولى، وهو ما دفعه للالتزام أكثر بهذه الهواية ومواصلة تطوير مهاراته فيها. أسعار الأجهزة تختلف بشكل كبير في السوق، حيث تتراوح بين 2000 و30 ألف درهم، وهو ما يشير إلى ضرورة خفض الأسعار لتسهيل ممارسة هذه الهواية على الجميع.

ولم تعد هذه الهواية مقتصرة على الرجال فقط. تروي إحدى المشاركات كيف أنها اكتشفت متعة كشف المعادن عبر زوجها، لكن سرعان ما أصبحت هذه الهواية شغفًا شخصيًا لها. تقول: “كنت أظن في البداية أنها هواية خاصة بالرجال، لكن بعدما جربتها، أدركت كم هي ممتعة. فزت بجهاز خاص بي في إحدى المسابقات، ومنذ ذلك الحين بدأت في مشاركة تجاربي عبر الفيديوهات، مما شجع العديد من النساء على الانضمام.” وتضيف بفخر: “اليوم، العنصر النسائي حاضر بقوة، وحتى الأطفال يشاركون في هذه الرياضة.”

الهواية ليست مجرد نشاط جسدي، بل هي رحلة ثقافية تكشف عن تاريخ البلاد. كل قطعة نقدية أو أثر قديم يعثر عليه الهواة يمثل دليلاً حيًا على حقبة تاريخية مرت على المغرب. تحكي إحدى الهواة عن اكتشافها لعملة ذهبية نادرة تعود إلى العهد المرابطي، وتصف تلك اللحظة بـ”التاريخية”، حيث جعلتها تشعر بعلاقة أعمق مع هذه الرياضة ورغبة أكبر في الاستكشاف.

كما يروي آخر اكتشافه لعملة نادرة للملك الأمازيغي ماسينيسا في منطقة زعير، ما يعكس التواصل المباشر مع تاريخ المغرب قبل الاحتلال الروماني. يقول: “كل منطقة لها تاريخها الخاص، وهذه الهواية تتيح لنا فرصة التعرف على الحضارات التي مرت من هنا بطريقة عملية وواقعية.”

ويتفق الهواة على أن هذه الرياضة لا تقتصر على الترفيه فحسب، بل هي وسيلة للاسترخاء والخروج من ضغوط الحياة اليومية، كما تُمثل فرصة لاستكشاف مناطق جديدة في المغرب. لكنها تبقى أكثر من ذلك، جسرًا ثقافيًا يربط الأجيال بتاريخ أجدادهم، من خلال العملات والآثار التي يُكتشفونها.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *