إدواردو كامبانيلا : كبير زملاء مركز موسافار رحماني لإدارة الأعمال والإدارة الحكومية في كلية كينيدي في جامعة هارفارد، هو المؤلف المشارك (مع مارتا داسو) لكتاب “الحنين إلى زمن الهيمنة الإنجليزية: سياسة العواطف في الغرب المتصدع” (دار نشر جامعة أكسفورد، 2019).
يبدو أن “سباق الذكاء الاصطناعي” العالمي انحصر الآن في مواجهة مباشرة بين الصين والولايات المتحدة. ولكن حتى لو كانت أوجه قصور بنيوية معروفة تمنع أوروبا من تطوير عمالقة تخصها في مجال الذكاء الاصطناعي وريادة إبداعات خارقة، فلا يزال بإمكانها الفوز بالسباق في الأمد البعيد من خلال تشجيع نشر تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في مختلف أقسام اقتصادها.
في منافسات القوى العظمى، تشكل الاستفادة من التكنولوجيات على نطاق ضخم أهمية أكبر من اختراعها. تاريخيا، كانت كل ثورة صناعية مدفوعة بإحدى تكنولوجيات الأغراض العامة (GPT) التي كانت تنطوي على تطبيقات واسعة النطاق عبر مختلف القطاعات. ولأن المحرك البخاري قاد الموجة الأولى من التصنيع، والكهرباء الموجة الثانية، وتكنولوجيات المعلومات الموجة الثالثة، يتوقع أغلب الناس أن يؤذن الذكاء الاصطناعي بقدوم الثورة الصناعية الرابعة.
تكنولوجيات الأغراض العامة متغلغلة ومنتشرة بحكم التعريف. لكن الانتشار التكنولوجي لا يحدث بين عشية وضحاها. تستغرق الشركات، خاصة تلك الأقل تقدما نسبيا من الناحية التكنولوجية، بعض الوقت لفهم إمكانات التكنولوجيا الجديدة وتكييف عمليات الإنتاج وفقا لذلك. علاوة على ذلك، يحتاج الاقتصاد في عموم الأمر إلى بناء مخزون ضخم بالقدر الكافي من رأس المال الجديد والأصول التكميلية، الملموسة وغير الملموسة.
في الولايات المتحدة الأميركية، استغرق الأمر أكثر من عشرين عاما قبل أن تتجاوز الكهرباء حصة البخار من إجمالي القدرة الحصانية في التصنيع، وما يقرب من أربعين عاما لتصبح مصدر توليد الطاقة بلا منازع. على نحو مماثل، استغرق الأمر أكثر من عشرين عاما لتتجاوز معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) نسبة 1% من مخزون رأس المال. في عام 1987، بعد مرور ما يقرب من عقدين من الزمن منذ أطلقت شركة Intel المعالج الدقيق الذي أفضى إلى اندلاع ثورة تكنولوجيا المعلومات، قال روبرت سولو الحائز على جائزة نوبل متهكما في مناسبة شهيرة: “بمقدورك أن ترى عصر الكمبيوتر في كل مكان إلا في إحصاءات الإنتاجية”. ولكن خلال الفترة بين عامي 1991 و2001، ارتفعت حصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من مخزون رأس المال إلى 5%، قبل أن تقفز إلى 8%، حيث استقرت تقريبا.
يبدو أيضا أن التبني البطيء من سمات ثورة الذكاء الاصطناعي. فعلى الرغم من قدرتنا على الوصول إلى روبوتات دردشة الذكاء الاصطناعي المتطورة بنقرة واحدة، لم تتكيف أغلب العمليات التنظيمية بعد بحيث يتسنى لها دمج هذه التكنولوجيا. في الاتحاد الأوروبي، لا تزال حصة الشركات الصغيرة التي تستخدم أداة واحدة على الأقل من أدوات الذكاء الاصطناعي أقل من 12%، مقارنة بنحو 40% من الشركات الأكبر حجما. وقد رسم استطلاع أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك صورة مماثلة في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث وجد أن 25% فقط من شركات الخدمات، و16% من الشركات المصنعة في منطقته أفادت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
الانتشار التكنولوجي، بطبيعة الحال، أقل إثارة من الاختراقات العلمية الرائدة. لكن أوروبا متخلفة عن الركب إلى الحد الذي يجعلها عاجزة عن التحول إلى رائدة للإبداع والابتكار. ينبغي لها أن تركز، بدلا من ذلك، على الاستفادة من تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في تلك القطاعات التي تمثل القسم الأكبر من أي اقتصاد (تُعد “استراتيجية تطبيق الذكاء الاصطناعي” في الاتحاد الأوروبي خطوة أولى جيدة في هذا الصدد). والقيام بذلك من شأنه أن يمنح الميزة التنافسية اللازمة لممارسة القوة الجيوسياسية وتعزيز المصالح الأوروبية في الأمد البعيد.
الواقع أن تشجيع تبني التكنولوجيات الرقمية على نطاق واسع يشكل تحديا مختلفا بشكل ملحوظ عن تطوير الجيل القادم من نماذج الذكاء الاصطناعي. وبدلا من توجيه الدعم المالي نحو البحوث الرائدة في مختبرات النخبة أو الجامعات، ينبغي للحكومات الأوروبية التركيز على توسيع قاعدة مهارات الذكاء الاصطناعي (مع التأكيد على المهارات الخاصة بكل صناعة وليس المهارات العامة)؛ وتطوير البنية الأساسية الرقمية اللائقة؛ وتكييف الأطر القانونية والأخلاقية اللازمة لاستيعاب الذكاء الاصطناعي؛ وبناء الجسور المهنية بين مهندسي وعلماء الذكاء الاصطناعي.
كما يشكل توحيد أفضل ممارسات الذكاء الاصطناعي أمرا بالغ الأهمية. هنا، استنادا إلى مؤشر الاستعداد للذكاء الاصطناعي الصادر عن صندوق النقد الدولي، نجد أن بعض دول الاتحاد الأوروبي انطلقت بالفعل في بداية جيدة، حيث تتساوى إستونيا مع الولايات المتحدة.
إن ملاحقة استراتيجية عملية للاستفادة من الإبداع لا تعني التخلي عن أي طموح للابتكار والإبداع. كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين محقة في الإشارة إلى أننا “ما زلنا في البداية فقط. فالحدود تتحرك باستمرار. ولا تزال الريادة العالمية في متناول اليد”.
لكن أوروبا يجب أن تتعامل مع أشكال التبعية التي تعيبها. في عالم يشهد تفككا على الصعيدين الجغرافي الاقتصادي والجيوسياسي، حيث تدير الولايات المتحدة ظهرها لحلفائها المقربين، قد يُحرم المتخلفون في مجال الذكاء الاصطناعي ــ في أسوأ السيناريوهات ــ من التكنولوجيات الرائدة تماما. وفقا لدراسة أجريت عام 2023، فإن 73% من نماذج أسس الذكاء الاصطناعي التي جرى تطويرها منذ عام 2017 جاءت من الولايات المتحدة، و15% من الصين.
لذا، في حين تعمل على تعزيز الحوافز لنشر الذكاء الاصطناعي في الأمد المتوسط، ينبغي لأوروبا أن تعكف أيضا على خلق بيئة تنظيمية أكثر ملاءمة (بتخفيف بعض أحكام قانون الذكاء الاصطناعي، مثل عتبات قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الحاسوبية)، ومشهد مالي لائق (من خلال اتحاد المدخرات والاستثمارات)، ونظام بيئي علمي مناسب (ببناء مزيد من الجسور بين الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص).
الواقع أن التقرير التاريخي الذي أعده رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي حول قدرة الاتحاد الأوروبي التنافسية عامر بالتوصيات بشأن تحريك سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه. ولكن لأن مناقشة هذه المقترحات وتفعيلها وتنفيذها سيستغرق وقتا طويلا، ناهيك عن أن تؤتي ثمارها، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يلاحق نهجا يتألف من شقين، بالتركيز على نشر التكنولوجيا الآن وعلى الإرباك التكنولوجي في المستقبل.عندما سألت جروك (Grok) حول ما إذا كان بوسع أوروبا أن تصبح عملاقا في مجال الذكاء الاصطناعي، أجاب ساخرا: “لا شيء يَـنُـم بقوة عن ثورة الذكاء الاصطناعي مثل قائمة مراجعة امتثال تتألف من 500 صفحة”. ترى هل تتمكن أوروبا من إثبات خطأ روبوت إيلون ماسك للدردشة الآلية؟
1 11 زيارة , 1 زيارات اليوم