ليلي فور : ستيفاني هانكي
ستيفاني هانكي : الشريكة المؤسسة والمديرة المشاركة لمبادرة “تيكتيكال تك”، وأستاذة زائرة في جامعة العلوم التطبيقية في بوتسدام، ومحررة كتاب “كتيب التأثير الرقمي والمناخ” المرتقب صدوره في سبتمبر 2025.
كانت الفيضانات المفاجئة التي ضربت مدينة فالنسيا في إسبانيا عام 2024 مدمرة لدرجة أن بعض الصور أثارت جدلًا عالميًا حول مدى صحتها. ففي زمن أصبحت فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج صور مزيفة واقعية للغاية، بدت صور السيارات المتراكمة فوق بعضها البعض في شوارع ضيقة مملوءة بالوحل صادمة لدرجة يصعب تصديقها. لكن، ويا للأسف، كانت هذه الصور حقيقية تمامًا.
لطالما آمن النشطاء المناخيون بأنه عندما يصبح أثر تغيّر المناخ مباشرًا ولا يمكن إنكاره – ليس فقط في الجنوب العالمي بل في كل مكان – فإن الضغط الشعبي من أجل اتخاذ إجراءات سياسية وشركاتية جريئة سيزداد. وفعلاً، تُظهر الاستطلاعات دعماً شعبياً واسعاً لهذه الإجراءات. لكن، ومع تحقق هذا التوقع، برز تحدٍّ ملحّ آخر: البيئة المعلوماتية التي نعتمد عليها لفهم العالم أصبحت ملوثة بشكل خطير.
ويبدو استخدام مصطلح “التلوث” في محله هنا، إذ يعكس الفوضى والسُميّة في مشهد المعلومات اليوم، الذي تهيمن عليه حفنة من الشركات الكبرى التي تتعامل مع الانتباه البشري كسلعة، وتغرقنا بمحتوى اصطناعي منخفض الجودة – يُعرف بـ”عجين الذكاء الاصطناعي” – تم تصميمه للتضليل، والتشتيت، وتشويه الحقائق.
ويتجلّى هذا التلوث بوضوح خاص في النقاش حول تغيّر المناخ. فرغم أن المعلومات المضللة حول المناخ كانت دائمًا مصدر قلق – وغالباً ما تطورت إلى نظريات مؤامرة كاملة – إلا أن الوضع تدهور الآن إلى درجة لم يعد مصطلح “معلومات مضللة” كافياً لوصف حجم التهديد وتعقيده، ولا يشير إلى حلول ممكنة.
يُقال كثيرًا إن التقنيات اللازمة لمواجهة تغيّر المناخ موجودة بالفعل، وإن ما ينقص هو الإرادة السياسية لتطبيقها. لكن، في حين تُسوّق التكنولوجيا كحل للأزمة، فإنها تُستخدم أيضاً لإبطاء الزخم اللازم لمواجهتها. يسيطر “أوليغارشيو التقنية” – الذين تجمعهم صلات وثيقة بالحكومات ولديهم مصالح مالية هائلة – على المنصات التي تشكّل الرأي العام، من منصة “X” (تويتر سابقاً) التي يملكها إيلون ماسك، إلى صحيفة “واشنطن بوست” التي يمتلكها جيف بيزوس، ما يتيح لهم التأثير في السياسات البيئية، بل وفي النقاش حولها.
ومع تسارع الأزمة المعلوماتية بفعل الذكاء الاصطناعي، أصبحت قضايا المناخ تُختزل بشكل متزايد في معارك ثقافية. ويغذي هذا التوجّه سماسرة البيانات الذين يتعاملون مع آراء المستخدمين حول تغيّر المناخ كمؤشرات على هويتهم السياسية، مما يعزز الانقسام والاستقطاب، في خدمة الإعلانات المستهدفة.
خلال موسم الأعاصير الأطلسية لعام 2024، تحوّل محتوى المستخدمين على إنستغرام وتيك توك من توثيق الدمار إلى الترويج لنظريات المؤامرة حول التلاعب بالطقس ومشاريع الهندسة الجيولوجية السرية، مما أثار الذعر وزعزع استقرار بيئة معلوماتية هشة أصلاً. وتكرر السيناريو نفسه خلال انقطاعات الكهرباء الأخيرة في إسبانيا والبرتغال، حيث انتشرت روايات مضللة تلقي اللوم على مصادر الطاقة المتجددة، قبل أن تُصدر أي جهة رسمية تحقيقاً يحدد الأسباب الفعلية. وغالباً ما تؤدي هذه الشائعات إلى تهديدات ومضايقات تطال العلماء والنشطاء، مما يؤدي إلى “تأثير التجميد” على البحث والدعوة، حتى في ظل استمرار الدعم الشعبي للعمل المناخي.
وبالطبع، فإن الخطاب المعادي للعمل المناخي يصدر في الغالب من أقلية صاخبة، لكن يجري تضخيمه عبر بيئة إعلامية تتغذى على الغضب. والأسوأ أن هناك تلاقي مصالح بين أيديولوجيين يمينيين متطرفين، وشركات التكنولوجيا الكبرى، وشركات النفط الكبرى – جميعها تربح من فوضى المناخ، وتلوث المعلومات، وعدم الاستقرار السياسي – ما يسهم في صعود ما يمكن تسميته بـ”التقنية القذرة” ويُسرّع تآكل الديمقراطية وسيادة القانون.
وفي الولايات المتحدة، أظهرت العلاقة المتزايدة بين قطاع التكنولوجيا والسياسات اليمينية المتطرفة الدور الحاسم للمنصات التي تشكّل الخطاب العام، وبالتالي مستقبل العمل المناخي. وقد واجهت منظمات المجتمع المدني المعنية بالحقوق الرقمية والديمقراطية هذه القضايا منذ سنوات. لكن، تماماً كجزيئات البلاستيك الدقيقة، تجزأت المشكلة إلى شظايا صغيرة لا حصر لها، ما يجعل احتوائها أكثر صعوبة.
ومع تركّز السلطة في أيدي من يستفيدون من تلوث المعلومات، يبدو أحياناً أننا وصلنا إلى طريق مسدود. لكن، ورغم حالة الارتباك التي تسود منصات التواصل الاجتماعي اليوم، يمكن تحديد مصادر هذا التلوث – تماماً كما هو الحال مع التلوث البيئي – ما يتيح محاسبة الفاعلين. ويُعدّ الإطار التنظيمي الرقمي الجديد في أوروبا – بما في ذلك التشريعات المتعلقة بالخدمات الرقمية، والمنافسة، وحماية البيانات، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب المقترح الأخير لـ”درع الديمقراطية الأوروبي” لمواجهة التدخلات الخارجية في المعلومات – خطوة أولى أساسية لمعالجة الأثر المنهجي للمعلومات المضللة ونماذج أعمال شركات التكنولوجيا الكبرى على النقاش العام.
ومع ذلك، لا يزال مدى فعالية هذه القوانين غير واضح، ولأن نطاق تنفيذها ينتهي عند حدود أوروبا، فإن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات أوسع. ويمكن أن يساعد إلغاء الربحية من المعلومات المضللة حول المناخ، وتطبيق مبدأ “الملوث يدفع” في المجال الرقمي، في تحميل شركات التكنولوجيا والمعلنين المسؤولية عن الأضرار التي يلحقونها بنظام المعلومات المتعلق بالمناخ.
إن حماية حرية التعبير تعني الدفاع عن الحق في التعبير بحرية، والحق في الحصول على معلومات دقيقة وغير مشوهة. وإن لم نواجه تلوث المعلومات بشكل مباشر، فإننا لا نخاطر فقط بعرقلة التقدم في مواجهة تغيّر المناخ، بل بانتكاسه بالكامل.
ومع ذلك، فإن المعلومات الجيدة لا تظهر في الصدارة من تلقاء نفسها. ولم يعد بوسع العاملين على مكافحة تغيّر المناخ ومقاومة الحلول التكنولوجية المتهورة مثل الهندسة الجيولوجية أن يكتفوا بمجرد إيصال رسائلهم إلى جمهور أوسع أو تحسين صياغتها.
بل ينبغي للنشطاء البيئيين أن يتحدوا مع المدافعين عن الديمقراطية الرقمية لمواجهة نماذج الأعمال القائمة على الخوارزميات، والتي تغذي أزمتي انهيار المناخ وتلوث المعلومات معًا. إن العواقب الكاملة لتلاقي هاتين الأزمتين بدأت للتو في الظهور، لكن إن لم نتحرك بجدية، فإن المستقبل يبدو قاتماً بوضوح.