يجب على أوروبا أن تغير نهجها تجاه إفريقيا

يجب على أوروبا أن تغير نهجها تجاه إفريقيا

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
كارلوس لوبيز 2

كارلوس لوبيز : أستاذ فخري في مدرسة نيلسون مانديلا للحكم العام بجامعة كيب تاون، وأستاذ زائر في معهد الدراسات السياسية (Sciences Po)، وزميل مشارك في معهد تشاتام هاوس، وعضو في مجلس معهد الموارد العالمية، ورئيس مجلس مؤسسة المناخ الإفريقية، والممثل الأعلى للاتحاد الإفريقي للعلاقات مع أوروبا. وهو مؤلف كتاب: “فخ الخداع الذاتي: استكشاف الأبعاد الاقتصادية لاعتماد إفريقيا على الخيرية في علاقتها مع أوروبا” (دار نشر Palgrave Macmillan، 2024).

إعلان يمكن النقر عليه

في السنوات الأخيرة، تجاوزت الصين أوروبا من حيث التجارة مع إفريقيا جنوب الصحراء وكذلك من حيث الاستثمار في البنية التحتية هناك، كما أن دول الخليج تعيد تشكيل تدفقات المال في القارة، بينما تعمق كل من البرازيل والهند وتركيا علاقاتها مع الدول الإفريقية، في الوقت نفسه، أسس القادة الأفارقة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، والتي يتوقع أن تحدث تحولا في التجارة داخل القارة، ومع ذلك، لا يزال الاتحاد الأوروبي يتصرف بوهم أنه الشريك الرئيسي لإفريقيا.

ونتيجة لذلك، وبينما تعيد إفريقيا تموضعها الاستراتيجي في عالم متعدد الأقطاب، تظل أوروبا في حالة من الرضا الذاتي إلى حد كبير، كما ترى نفسها قوة معيارية، وبطلة عالمية في حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي والاستدامة، ورغم أن هذا قد يكون صحيحا في بعض المجالات، فإن علاقات أوروبا التجارية والاقتصادية – وخاصة مع إفريقيا – تشير إلى العكس، وحتى الآن، لم تبد أوروبا استعدادا للتغيير.

بصفتي الممثل الأعلى للاتحاد الإفريقي لشؤون العلاقات مع أوروبا، شهدت هذا الوضع عن كثب، ففي عام 2019، اقترحت أن يمنح الاتحاد الإفريقي تفويضا رسميا للتفاوض على اتفاقية تجارة قارية مع الاتحاد الأوروبي، لم تكن الفكرة ثورية؛ بل كانت تعكس مطلب إفريقيا المشروع في امتلاك قوة تفاوض جماعية، وهو ما أصبح الاتحاد الإفريقي مؤهلا له بعد تحقيقه تقدما كبيرا نحو الانسجام السياسي.

لكن المفوضية الأوروبية تمتلك نفوذا أكبر عند التفاوض مع الدول الفردية أو المجتمعات الإقليمية، كما أن الجهات الإفريقية الفاعلة ضمن هذا النظام المجزأ مترددة في التخلّي عن أدوارها الوسيطة، لذا تم إجهاض اقتراحي، واستمر الاتحاد الأوروبي في تجاوز مؤسسات الاتحاد الإفريقي لصالح اتفاقات ثنائية أو مبادرات إقليمية لا تتماشى مع احتياجات إفريقيا ومصالحها وأولوياتها.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك اتفاقات الشراكة الاقتصادية (EPAs) التي تم التفاوض بشأنها بين الاتحاد الأوروبي ودول إفريقية (أو مجموعات دول)، هذه الاتفاقات عمقت اعتماد إفريقيا على تصدير السلع الأولية وقيدت هامش السياسات المتاح للتصنيع في الدول الإفريقية، لقد استفاد المصدرون الأوروبيون بشكل كبير من هذه الاتفاقات، بينما فشلت الدول الإفريقية في استخدام التجارة لتطوير صناعاتها المحلية أو التحول إلى أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى.

وفي الوقت ذاته، تتدفق الاستثمارات الأوروبية بشكل رئيسي نحو الأنشطة الاستخراجية، وضبط الهجرة، والتعويضات المناخية، بدلا من تعزيز سلاسل القيمة الصناعية أو نقل التكنولوجيا، وعلى الرغم من الضجة حول مبادرة البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي – التي تهدف إلى تعزيز الروابط الرقمية والطاقة والنقل “الذكية والنظيفة والآمنة”، وكذلك دعم “أنظمة الصحة والتعليم والبحث” – فإن طموحها لا يقارن بمبادرة الحزام والطريق الصينية أو حتى حزم التحول الأخضر الأمريكية.

علاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لا يتقاسم المخاطر مع إفريقيا من خلال استثماراته، بل ينقلها إليها، حيث يتوقع أن يقود رأس المال الخاص، بينما التمويل التنموي لا يزال أقل بكثير من المطلوب لتحفيز التحول الصناعي، وتطلب من إفريقيا إزالة المخاطر للمستثمرين دون الحصول على ضمانات هيكلية، مثل الوصول الأفضل لأسواق المال، أو شروط تجارية تفضيلية، أو التزامات طويلة الأجل.

ومع ذلك، فإن التغييرات الجارية في النظام العالمي تتيح فرصة حاسمة لأوروبا لإعادة بناء علاقتها مع إفريقيا، فالولايات المتحدة تتراجع عن القارة، من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة، وتقليص المعونات، وتقليص وجودها الدبلوماسي، وعلى نطاق أوسع، يشهد الاقتصاد العالمي تحولا جذريا، حيث يتم استبدال النظام المتعدد الأطراف الذي كان يروج للتجارة الحرة وتحرير الأسواق المالية، بمنظومة جديدة أكثر تشظيا، يتم كتابة القواعد الجديدة من قبل القوى الكبرى في العالم، دون اعتبار كبير لاحتياجات ومصالح الاقتصادات النامية.

وفي عالم توجه فيه التجارة بناء على قوة السوق وليس الميزة النسبية، يجب على إفريقيا أن تتكيف. وهذا يعني بناء القدرات الإنتاجية بدلا من انتظار التنازلات، وخلق منظومة أعمال إفريقية بدلا من الخضوع لمفاوضات قائمة على الامتثال، وإيجاد طرق لإعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية لصالح إفريقيا بدلا من الانضمام إلى هياكل قائمة، ولتحقيق ذلك، لا تحتاج إفريقيا إلى رعاة، بل إلى شركاء استراتيجيين يعترفون بقدرتها، ويستثمرون في إنتاجها، ويواكبون أولوياتها.

إذا كانت أوروبا تأمل في أن تلعب هذا الدور، فعليها أن تبدأ بالتخلي عن الاعتقاد بأنها الشريك الافتراضي لإفريقيا، النفوذ يجب أن يكتسب.

كما يجب أن يتم التعاون بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي ضمن الهيكل المؤسسي الإفريقي، وخاصة في مجالات التجارة، والحوكمة الرقمية، والدبلوماسية المناخية، ينبغي على الاتحاد الأوروبي الكف عن تجاوز الاتحاد الإفريقي، والاعتراف به كممثل شرعي لإفريقيا، ويجب أن تستند المشاركة الاقتصادية الأوروبية إلى منطق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية – وهي أهم ابتكار اقتصادي في القارة منذ عقود – وليس أن تتعارض معه.

ويجب على الاتحاد الأوروبي أيضا فصل المساعدات عن الوصاية الأخلاقية، فالمساعدات التنموية ليست “هبة”، بل أداة جيوسياسية، وشروطها المفرطة غالبا ما تقوض المؤسسات التي يفترض أنها تدعمها، بدلا من التحكم الدقيق في إصلاحات الحوكمة، يجب على أوروبا أن تركز على دعم طموحات إفريقيا، بما يشمل البنية التحتية، والتعليم، والتحول الصناعي.

ومن أفضل السبل لتحقيق ذلك الاستثمار المشترك مع شركاء أفارقة في سلاسل القيمة الإقليمية، أي دعم الصناعات الإفريقية ليس كمستفيدين، بل كلاعبين متساوين، وإعادة التفكير في السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي التي تشوه الأنظمة الغذائية الإفريقية، وإزالة الحواجز غير الجمركية التي تعاقب المصدرين الأفارقة.

أخيرا، في المحافل الدولية، يجب أن ينسق الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الإفريقي في قضايا مثل إصلاح الديون، وتمويل المناخ، وحقوق الملكية الفكرية. يجب أن يقابل نداء إفريقيا لإنشاء الية لمعالجة ديونها السيادية بمقترحات ملموسة، لا بمجرد خدمات استشارية، كما يجب أن يعكس تمويل المناخ المسؤوليات التاريخية والتكاليف الحقيقية، لا مجرد الحسابات السياسية.

أما بالنسبة للاتحاد الإفريقي، فعليه أن يكون أكثر جرأة في المطالبة بتحولات هيكلية حقيقية في علاقات القارة، لا أن يكتفي بالكلام المعسول عن السيادة الإفريقية، ويشمل ذلك تأكيد دور الاتحاد الإفريقي في جميع الشراكات الخارجية، ورفض التدخل الخارجي في عمليات التكامل الإفريقي، والاستثمار في بناء القدرة على اقتراح أطر اقتصادية بديلة، ويجب على الاتحاد الإفريقي أن يشارك في سياسات الإصلاح متعددة الأطراف – لا كمجرد طالب، بل كصاحب أجندة واضحة.

1 27 زيارة , 1 زيارات اليوم

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *