لماذا لا يكفي تمويل العمل المناخي

لماذا لا يكفي تمويل العمل المناخي

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
لورا كارفالو العمل المناخي

راديو إكسبرس

البث المباشر

لورا كارفالو : مديرة الرخاء الاقتصادي والمناخي في مؤسسات المجتمع المفتوح وأستاذة الاقتصاد المساعدة في جامعة ساو باولو.

مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ (مؤتمر الأطراف الثلاثين) في بيليم، البرازيل، من الواضح أن الالتزام المشترك إلى حد بعيد من جانب العالَم بتحول الطاقة العادل بات مهجورا، فخلال العام الذي انقضى منذ توقيع الحكومات على الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين والذي يقضي بتوسيع نطاق تمويل العمل المناخي ــ بهدف حشد 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035 ــ تراجعت الدول الغنية عن تعهداتها المالية. الأسوأ من ذلك أن علامات سوء النية هذه تأتي في وقت حيث تتصاعد تكاليف التكيف مع المناخ وإزالة الكربون في البلدان النامية.

إذا لم يَـعُـد الشمال العالمي مستعدا للوفاء بوعوده التمويلية، كما يبدو مؤكدا الآن، فلا يزال بإمكانه مع ذلك إظهار حسن النية، من خلال شكل آخر من أشكال التضامن: مشاركة المعرفة، والتكنولوجيا، والملكية الفكرية التي تدعم التحول الأخضر.

هذه ليست مسألة يمكن تأجيلها. فالتحول إلى اقتصاد أخضر بدأ يعيد بالفعل إنتاج ذات أوجه عدم التماثل التي طالما ميّزت التجارة العالمية. فبدلا من تعزيز التنمية الشاملة، تتشكل السياسة المناخية على نحو متزايد من خلال تدابير الحماية وأنظمة الملكية الفكرية التي ترسخ الاحتكارات التكنولوجية في الشمال العالمي. على سبيل المثال، قد توصف آلية الاتحاد الأوروبي لضبط حدود الكربون بأنها ضمانة ضد تسرب الكربون؛ لكنها توضح أيضا كيف يمكن استخدام سياسة المناخ لتبرير تدابير الحماية التجارية.

علاوة على ذلك، تُظهر شكوى الصين مؤخرا ضد الهند بسبب دعمها للمركبات الكهربائية والبطاريات كيف تُـصـبِح السياسات الصناعية الخضراء على نحو متزايد سببا للنزاعات التجارية. تشير هذه التطورات مجتمعة إلى توتر متزايد بين الأهداف المناخية وقواعد منظمة التجارة العالمية. هل من الممكن أن تتحول تدابير التصدي لتغير المناخ قريبا إلى دافع جديد للإقصاء الاقتصادي؟

في صميم هذه القضية، يكمن اختلال توازن صارخ: فالقوى الأكبر حجما مثل الصين، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي تنتج تكنولوجيات خضراء عالية القيمة، في حين تظل معظم البلدان النامية عالقة في تصدير سلع خضراء متدنية القيمة ــ المعادن الـحَـرِجة في المقام الأول. ويعكس هذا تقسيم العمل من زمن الحقبة الاستعمارية، والذي بموجبه كان الجنوب العالمي يوفر المواد الخام، بينما يقدم الشمال الإبداع، ويحتكر الإنتاج، ويجني القسم الأعظم من الأرباح.

تؤكد بيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية مدى عمق هذا الانقسام. إذ تتركز براءات الاختراع الخضراء (المرتبطة بالطاقة المتجددة، وكفاءة استهلاك الطاقة، والتكيف مع المناخ) بشكل ساحق في قِـلة من البلدان، مثل الصين، والولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا. في الفترة من عام 2000 إلى 2024، استحوذت الاقتصادات العشرة الأولى على ما يقرب من 90% من تسجيلات براءات الاختراع الدولية في تكنولوجيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلى الرغم من احتلال البرازيل المرتبة السادسة عالميا في طاقة الرياح الـمُـرَكَّبة، فإنها ساهمت بنسبة 0.4% فقط من براءات الاختراع العالمية في مجال طاقة الرياح. أما عن الطاقة الشمسية، فكانت حصتها 0.19% فقط.

هذا التركز التكنولوجي ليس من قبيل الصدفة. بل هو نتيجة نظام عالمي للملكية الفكرية يفضل الأرباح الاحتكارية على المنافع العامة. وقد فشلت الجهود الرامية إلى تعزيز مزيد من التنسيق العالمي، بما في ذلك من خلال اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (TRIPS)، في معالجة المشكلة الأساسية.

في غياب القدرة على الوصول إلى التكنولوجيات الميسورة التكلفة، لا يستطيع الجنوب العالمي المشاركة بشكل كامل في التحول المناخي. الأسوأ من ذلك أن النظام الحالي يهدد بحبس البلدان النامية في شكل جديد من أشكال التبعية، حيث تعمل على توفير المعادن اللازمة لتصنيع البطاريات والألواح الشمسية لكنها تفتقر إلى وسائل إنتاجها.

ولا يكفي تمويل العمل المناخي لكسر هذه الحلقة. بدلا من ذلك، يجب أن تكون عمليات نقل التكنولوجيا وإصلاحات نظام الملكية الفكرية العالمي في صميم المفاوضات المناخية. ورغم أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاقية باريس للمناخ تقران بذلك، فإن التقدم المحرز كان ضئيلا.

ما يدعو إلى التفاؤل أن التغييرات الضرورية ليست بلا سابقة. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اضطلعت البرازيل بدور محوري في تصنيف الوصول إلى أدوية فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز كسلعة عامة، بدلا من كونها سلعة لا تحكمها إلا حقوق الملكية الفكرية. كان هذا التحول مدفوعا بمجموعة من التدابير القانونية، والسياسية، وأخرى من جانب المجتمع المدني والتي تحدت نظام براءات الاختراع العالمي للأدوية ووضعت الصحة العامة في المقام الأول من الأهمية.

وكما زعم عالِم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيجليتز، فإن مثل هذه الآليات ضرورية لتصحيح إخفاقات السوق وضمان الوصول العادل إلى الإبداع. لهذا السبب شددت محكمة العدل الدولية، في فتواها الأخيرة بشأن تغير المناخ، على التزام كل الدول بالتعاون ــ إلى جانب توفير التمويل ــ على تطوير ونشر التكنولوجيات الخضراء، بما في ذلك من خلال تبادل المعرفة والمشاركة في عمليات نقل التكنولوجيا.

يوفر برنامج تنفيذ التكنولوجيا الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين وسيلة لتعزيز هذا التعاون. وتحت قيادة البرازيل في مؤتمر الأطراف الثلاثين، من الممكن أن يعمل برنامج تنفيذ التكنولوجيا كمنصة لتعزيز أنظمة الإبداع الوطنية، وتمكين البلدان من تكييف التكنولوجيات مع السياقات المحلية وبناء القدرة على إيجاد الحلول المناخية. تتمثل الفكرة في استخدام مزيج من الأموال العامة والخاصة لدعم مشاريع تجريبية، ثم توسيع نطاق تلك التي تثبت فعاليتها.

على سبيل المثال، بوسعنا أن ندعم مشروعا تجريبيا يهدف إلى إنتاج سماد منخفض الكربون باستخدام الهيدروجين الأخضر. في الوقت الحالي، تُصَـنَّـع الأمونيا ــ الـمُـدخل الرئيسي في تصنيع الأسمدة النيتروجينية ــ باستخدام الهيدروجين من الوقود الأحفوري، لهذا السبب، يُـعَـد هذا القطاع مسؤولا عن نحو 1-2% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ومن خلال الاستعاضة عن الهيدروجين القائم على الوقود الأحفوري بالهيدروجين المتجدد (الأخضر)، فإن ذات القدر من ناتج الأمونيا سينتج عنه انبعاثات أقل كثيرا، بالإضافة إلى تقديم حل من الممكن تطويره وقابل للتكييف محليا. إذا نجح هذا المشروع التجريبي في هذا القطاع الذي يصعب الحد من نشاطه، فسوف يخلق نموذجا قابلا للتكرار في بلدان أخرى.

الواقع أن رئاسة البرازيل لمؤتمر الأطراف الثلاثين قادرة على حشد الجنوب العالمي وراء رؤية برنامج تنفيذ التكنولوجيا التي تحقق العدالة المناخية من خلال الإبداع والابتكار. هذه ليست مجرد أجندة تقنية، بل هي أجندة سياسية. لن يتسنى للبلدان بناء القدرات التي تحتاج إليها إلا بتمكينها من الوصول إلى التكنولوجيات الخضراء. وبمساعدة بقية دول العالم على التخلص من الكربون، تساعد الدول الغنية نفسها.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *