سيادة أفريقيا المالية تحت الهجوم

سيادة أفريقيا المالية تحت الهجوم

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
السيادة المالية في افريقيا

راديو إكسبرس

البث المباشر

كارلوس لوبيز : أستاذ فخري في كلية نيلسون مانديلا للإدارة العامة في جامعة كيب تاون وعضو لجنة الأمم المتحدة المعنية بسياسات التنمية

تتساءل جوقة متنامية من المنافذ الإعلامية ومراكز الأبحاث الغربية، والمعلقين الماليين الغربيين حول ما إذا كان ينبغي للمؤسسات المالية المتعددة الأطراف في أفريقيا، مثل البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank)، أن تحتفظ “بوضع الدائن المفضل”. الواقع أن انتقاداتهم ليست مضللة فحسب، بل إنها تهدد أيضا بتقويض استقلالية أفريقيا المالية المتنامية وقدرتها على رسم مسار اقتصادي مستقل.

يمنح وضع الدائن المفضل المقرضين من الجهات المتعددة الأطراف ــ بما في ذلك بنك الاستثمار الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ــ الأولوية في سداد الديون، في حال واجه المقترض السيادي ضغوطا مالية، ويحمي القروض التي تصدرها هذه الجهات من إعادة هيكلة الديون. ومن خلال توفير جدار حماية مالية للمؤسسات الإنمائية، يضمن هذا الوضع ثقة السوق، وهو أمر ضروري لعمل هؤلاء المقرضين للأمد البعيد.

هذا ليس امتيازا تقديريا؛ بل هو مبدأ مقنن. ولأنه يقلل من تكاليف الاقتراض، وبالتالي يسهل توفير التمويل الميسور التكلفة للبلدان المتعثرة، فإن وضع الدائن المفضل لا غنى عنه.

عندما أنشأت أفريقيا بنوك تنمية متعددة الأطراف خاصة بها ــ مثل البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد وبنك التنمية الأفريقي ــ حرصت على أن تتمتع هذه البنوك بجميع الحقوق والحصانات اللازمة لحماية عملياتها واستقلاليتها، بما في ذلك وضع الدائن المفضل. لتحقيق هذه الغاية، عملت الحكومات الأفريقية على ترسيخ الأحكام ذات الصلة في الأنظمة القانونية الوطنية والمعاهدات الدولية. كان ذلك استعراضا قويا للوكالة من قِـبَـل قارة خذلها النظام المالي العالمي على نحو ثابت منتظم.

حتى أن الحكومات الأفريقية وجدت طريقة لرسملة بنوك التنمية المتعددة الأطراف التي تخصها بنفسها، على الرغم من القيود المالية التي تواجهها. فقد مكنتها نماذج الحوكمة المختلطة المصممة بعناية من جلب المستثمرين من القطاع الخاص، دون المساس بمهمتها التنموية. ومع ذلك، يحاول بعض المنتقدين الآن استخدام سعة حيلة أفريقيا ضدها، زاعمين أن بنوك التنمية المتعددة الأطراف الحقيقية ــ المؤهلة للحصول على وضع الدائن المفضل ــ من غير الممكن أن تضم مساهمين من القطاع الخاص.

ويزعم آخرون أن المؤسسات الأفريقية لا يجوز لها أن تعمل كبنوك تنمية لأنها تواجه أسعار فائدة مرتفعة في أسواق رأس المال. لكن هذا الزعم يعزز الحجة لصالح حصول أفريقيا على بنوك تنمية متعددة الأطراف. ولا تعكس تكاليف رأس المال المرتفعة التي يواجهها المقترضون الأفارقة ــ سواء كانوا من البنوك أو جهات سيادية ــ الأسس الاقتصادية، بل تعكس تحيزات عميقة الجذور، والتي يتضاعف تأثيرها بفعل نهج وكالات التصنيف الائتماني المساير للدورات الاقتصادية، والذي يؤدي إلى خفض التصنيفات عندما يكون المقترضون في أضعف حالاتهم.

على النقيض من ذلك، تقدم البنوك الأفريقية المتعددة الأطراف تمويلا معاكسا للدورات الاقتصادية، وتوجه الأموال نحو قطاعات إنتاجية، وتعيد استثمار الأرباح في المنح والتمويل الميسر. وقد وسّع البنك الأفريقي للتنمية مؤخرا نافذة التمويل الميسر من مليار دولار إلى 5 مليارات دولار، مدعوما بزيادة المساهمات من جانب المساهمين.

إذا خسرت هذه المؤسسات وضعها كدائن مفضل، فإن قدرتها على توفير التمويل الإنمائي الطويل الأجل الحاسم ستتعرض للخطر الشديد ــ خاصة وأنها ستضطر إلى المشاركة في عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية. في حين قد يبدو هذا وكأنه تضامن، فإنه في حقيقة الأمر يحول عبء تخفيف الديون إلى بنوك التنمية الأفريقية المتعددة الأطراف، حيث تضطر مجموعة واحدة من المساهمين الأفارقة فعليا إلى دعم التزامات آخرين، بينما تختبئ المؤسسات العالمية وراء وضع الدائن المفضل.

وتزيد وكالات التصنيف الائتماني الدولية من احتمال حدوث مثل هذا السيناريو. خفّضت وكالة فيتش مؤخرا تصنيف التخلف عن السداد الطويل الأجل من جانب البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير إلى درجة BBB ــ وخفضت وكالة موديز تصنيفه من Baa1 إلى Baa2. ومن المرجح أن تتحمل الحكومات التي تتصارع بالفعل مع بعض أعلى معدلات الفائدة في العالم عبء زيادة تكاليف الاقتراض.

برغم أن هذه التحركات في التصنيف الائتماني تُصنف على أنها قرارات تستند إلى حجم المخاطر، فإن المنهجيات المستخدمة لا تخلو من مشكلات. على سبيل المثال، عاقبت وكالة فيتش البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بسبب ممارسات محاسبية متوافقة مع المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية. كما استشهدت بشكوك حول إمكانية إنفاذ وضع البنك كدائن مفضل، وهي بالتالي تزيد من احتمالية خلق نبوءة تحقق ذاتها.

بدعم من الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء، سارَعَ البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد إلى التحرك في التأكيد على أن وضعه كدائن مفضل غير قابل للتفاوض. وأشار البنك إلى أن إجباره على المشاركة في ترتيبات إعادة هيكلة الديون “لن يكون متسقا مع معاهدة إنشائه”.

في عموم الأمر، من شأن تآكل وضع الدائن المفضل الذي تتمتع به مؤسسة أفريقية واحدة أن يرسل إشارة مفادها أن أي مؤسسة أفريقية لا يمكن الاعتماد عليها: إذ ستخضع شرعيتها على نحو مستمر لإعادة التقييم من قِـبَـل قوى خارجية وفقا لمعايير مستوردة. وهذا من شأنه أن يقوض قدرة أفريقيا على بناء هيكل مالي قادر على دعم أجندتها الخاصة بالتحول البنيوي البعيد الأمد.

قد يفترض المرء أن أولئك الذين يتحدون وضع الدائنين المفضلين الذي تتمتع به بنوك التنمية الأفريقية المتعددة الأطراف لا يدركون المخاطر. ولكن ربما يكون هذا من قبيل المبالغة في الإحسان. في الواقع، يبدو أن هذه القوى الفاعلة تسعى بنشاط إلى زعزعة استقرار هذه المؤسسات وإجبار أفريقيا على مواصلة العمل ضمن نظام عالمي تحتفظ فيه إلى الأبد بوضع الملتمس وليس المخطط أبدا. لا تريد هذه القوى أن تتشكل تنمية أفريقيا من خلال المؤسسات الإقليمية الملتزمة بالاستثمار فيها، بل عن طريق المؤسسات الدولية التي لا تظهر إلا أثناء الأزمات، وتقدم شروطا مرهقة لا تراعي احتياجات القارة.

بدلا من السماح لمثل هذه القوى بتقويض عقود من الجهود المبذولة لبناء نظام مالي يستجيب للأولويات الأفريقية، يتعين على حكومات القارة أن تعرب عن دعمها القاطع لهذه المؤسسات. تستمد بنوك التنمية الأفريقية المتعددة الأطراف قوتها من سياقها. فبقاؤها مسألة تهم القارة. والدفاع عنها وعن وضعها كدائن مفضل حتمية سياسية. الاستجابة المجزأة ستشجع المنتقدين. وسوف يُقرأ الصمت على أنه استسلام. الحق أن إن الدفاع الموحد القائم على المبادئ عن سيادة أفريقيا المالية هو السبيل الوحيد للمضي قدما إلى الأمام.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *