ماذا يريد الأفارقة من مؤتمر الأطراف الثلاثين

ماذا يريد الأفارقة من مؤتمر الأطراف الثلاثين

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
كارلوس لوبيز

راديو إكسبرس

البث المباشر

كارلوس لوبيز : مبعوث مؤتمر الأطراف الثلاثين الخاص لشؤون أفريقيا، هو رئيس مجلس إدارة مؤسسة المناخ الأفريقية وأستاذ في كلية نيلسون مانديلا للإدارة العامة في جامعة كيب تاون.

سيكون مؤتمر الأمم المتحدة المرتقب بشأن تغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثلاثين) أول مؤتمر يعقد في منطقة الأمازون، وهذا بحد ذاته يبعث برسالة رمزية قوية حول الدور المركزي الذي يتعين على الاقتصادات النامية أن تضطلع به في الاستجابة العالمية لأزمة المناخ. ولكن في وقت يتسم بالتشرذم الجيوسياسي وانخفاض الثقة في التعددية، لن تكون الرمزية كافية. بل يجب أن تشارك الاقتصادات النامية في التخطيط للتحول الأخضر ودفعه إلى الأمام. وأفريقيا ليست استثناء.

حتى الآن، كانت رواية المناخ في أفريقيا رواية الضحية: فالقارة تساهم بأقل من 4% من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، لكنها معرضة بشدة للتأثيرات المترتبة على تغير المناخ. غذى هذا التباين الدعوات المنادية “بالعدالة المناخية” والتي ساعدت على إنتاج تعهدات طموحة لتمويل العمل المناخي من جانب الاقتصادات الصناعية في مؤتمرات الأطراف السابقة. ولكن مع عدم الوفاء بتلك التعهدات، ومع التزايد السريع في احتياجات أفريقيا لتمويل العمل المناخي، بات من الواضح أن النداءات الأخلاقية ليست كافية.

الآن، يجري بالفعل التحول إلى خطاب أكثر توجها نحو الاستراتيجية. فقد وضعت قمة المناخ الأفريقية الثانية التي عُقدت في أديس أبابا الشهر الماضي القارة الأفريقية في موقع الفاعل الموحد القادر على تشكيل المفاوضات المناخية العالمية. كما تمخضت عن عدة مبادرات، مثل الميثاق الأفريقي للإبداع المناخي والمرفق الأفريقي للمناخ، والتي تعد بتعزيز مكانة أفريقيا في الجهود الرامية إلى ضمان مستقبل مستدام.

بدلا من الاستمرار في انتظار المساعدات، تسعى أفريقيا الآن إلى اجتذاب الاستثمارات في تحولها الأخضر، ليس لأن الدول الغنية “مدينة” للأفارقة ــ وإن كانت مدينة لهم ــ بل لأن أفريقيا قادرة على مساعدة العالم في التصدي لتغير المناخ. لكن النجاح يتطلب إحراز تقدم على أربع جبهات، وجميعها سيتناولها مؤتمر الأطراف الثلاثين.

الأولى هي تكلفة رأس المال. فبسبب التحيز الجهازي المتأصل في منهجيات التصنيف الائتماني والقواعد الاحترازية العالمية، تواجه البلدان الأفريقية أعلى تكاليف الاقتراض في العالم. وهذا يردع رأس المال الخاص الذي بدونه من غير الممكن أن يتدفق تمويل العمل المناخي على نطاق واسع. وفي حين تستطيع بنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تساعد في سد الفجوة، فإنها عادة تفضل القروض ــ التي تزيد من أعباء الديون الهائلة التي تثقل بالفعل كاهل البلدان الأفريقية ــ بدلا من المنح.

في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، وافقت الاقتصادات المتقدمة على جمع 300 مليار دولار أميركي “على الأقل” سنويا لتمويل العمل المناخي في البلدان النامية بحلول عام 2035، كجزء من هدف أوسع تتبناه كل القوى الفاعلة لحشد ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار أميركي سنويا. ولكن إذا كان لهذه الأهداف أن تتحقق فإن الإصلاح الجهازي يشكل ضرورة أساسية. ويشمل هذا إدخال تغييرات على حوكمة بنوك التنمية المتعددة الأطراف، بحيث يكون للبلدان الأفريقية صوت أكبر، وزيادة التمويل القائم على المنح. يجب أن يشمل الإصلاح أيضا الاعتراف بالمؤسسات المالية الأفريقية التي تتمتع بوضع الدائن المفضل، ومن الأهمية بمكان رعاية بنية مالية جديد بقيادة أفريقيا تعمل على خفض تكلفة رأس المال.

المجال الثاني حيث يشكل إحراز التقدم ضرورة أساسية هو أسواق الكربون. فعلى الرغم من إمكاناتها الهائلة في مجال الحلول المناخية القائمة على الطبيعة، تستحوذ أفريقيا على 16% فقط من سوق ائتمانات الكربون العالمية. والمشاريع فضلا عن ذلك غير منظمة إلى حد كبير وغير مسعرة بشكل جيد، في ظل مشاركة مجتمعية محدودة. الآن، أصبحت أفريقيا عُـرضة لخطر الانزلاق إلى فخ مألوف: توفير تعويضات رخيصة لانبعاثات تصدرها جهات خارجية، في حين لا تجني لشعوبها سوى أقل القليل من الفوائد.

بينما تعمل بعض البلدان الأفريقية على تطوير ضوابط تنظيمية خاصة لسوق الكربون، فإن النظام المجزأ سيكون له تأثير محدود. ما تحتاج إليه أفريقيا هو سوق كربون متكاملة، ينظمها الأفارقة، لضمان جودة المشاريع، وتحديد أسعار عادلة، وتوجيه الإيرادات نحو أولويات التنمية المحلية، بما في ذلك الحفاظ على البيئة، والطاقة المتجددة، والزراعة المرنة. وينبغي لهذا النظام أن يكون مربوطا بالمادة 6 من اتفاقية باريس للمناخ، والتي تهدف إلى تسهيل التداول الطوعي لأرصدة الكربون بين البلدان.

الضرورة الثالثة التي يتعين على أفريقيا تحقيقها في مؤتمر الأطراف الثلاثين هي إعادة تعريف التكيف. فبدلا من التعامل معه كمشروع إنساني في المقام الأول، يتعين على الحكومات أن تعمل على دمج التكيف في سياساتها الصناعية. في نهاية المطاف، يعمل الاستثمار في الزراعة والبنية الأساسية وأنظمة المياه القادرة على التكيف مع المناخ على توليد فرص العمل، وتعزيز الإبداع، وتحفيز تكامل الأسواق.

بالربط بين التكيف والتصنيع، يصبح بوسع أفريقيا أن تواصل ما بدأته في قمة المناخ الأفريقية الثانية، محولة بذلك السرد من الضعف إلى خلق القيمة. ينبغي لأفريقيا أن تضغط في سبيل جعل هذا النهج ينعكس في مؤشرات الهدف العالمي بشأن التكيف، والتي من المقرر أن تُـرسَم لمساتها الأخيرة في مؤتمر الأطراف الثلاثين. ينبغي لقادة القارة أيضا أن يدعوا إلى دمج تمويل التكيف في أطر التجارة والتكنولوجيا في عموم الأمر.

أما أولوية أفريقيا الأخيرة في مؤتمر الأطراف الثلاثين فتتمثل في المعادن الـحَـرِجة. تمتلك أفريقيا ما يقرب من 85% من المنجنيز في العالم، و80% من البلاتين والكروم، و47% من الكوبالت، و21% من الجرافيت، و6% من النحاس. في عام 2022، استحوذت جمهورية الكونجو الديمقراطية وحدها على أكثر من 70% من إنتاج الكوبالت على مستوى العالم.

لكن أفريقيا تعلم تمام العِـلم أن ثروة الموارد الطبيعية لا تترجم بالضرورة إلى نمو اقتصادي وتنمية. فلن يتسنى لأفريقيا تجنب “لعنة الموارد” وضمان مساهمة ثرواتها من المعادن الحرجة في توليد فرص العمل والصناعات المحلية إلا من خلال بناء سلاسل القيمة في القارة. ويجب أن تنعكس هذه الحتمية في المناقشات ضمن برنامج عمل الانتقال العادل في مؤتمر الأطراف الثلاثين.

تترابط هذه الأولويات الأربع بفضل حتمية فلسفية أشد عمقا. إذ يجب أن يُـفسِح المنطق الاستخراجي الذي كان سائدا في الماضي ــ حيث كان التصنيع يعتمد على الاستغلال والتدمير ــ المجال لنهج أكثر شمولية وعدالة وتوازنا، يعترف بأن البشر ينتمون إلى الطبيعة وليس العكس. وبوسع أفريقيا أن تساعد في قيادة هذا التحول، بدءا من مؤتمر الأطراف الثلاثين.

الواقع أن العوائق التي تحول دون إحراز التقدم هائلة. فالصين تعشق الترويج للتضامن بين بلدان الجنوب، لكنها لا تضع أموالها بالضرورة في المكان الصحيح. أما الاتحاد الأوروبي فيكافح للتوفيق بين الأولويات المتنافسة والتعامل مع التقلبات السياسية. ولن تحضر الولايات المتحدة مؤتمر الأطراف الثلاثين من الأساس، وقد يشجع هذا آخرين على مقاومة العمل الطموح. وإذا تبين أن الإجماع بعيد المنال، فقد تسعى الأطراف إلى إبرام صفقات “مصغرة” تهمش أفريقيا.

عندما يتعلق الأمر بالتحول الأخضر، فإن مصالح أفريقيا تصب في مصلحة الجميع. وإذا ظلت القارة حبيسة الفقر والاعتماد على الوقود الأحفوري، فسوف تستمر درجات الحرارة العالمية في الارتفاع بسرعة. ولكن إذا جرى تمكين أفريقيا من تحقيق التصنيع الأخضر، فإن بقية أجزاء العالم ستكسب حليفا حاسما في الكفاح من أجل مستقبل مستدام.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *