سندات القرن قد تُحَوِّل هيئة تمويل التنمية

سندات القرن قد تُحَوِّل هيئة تمويل التنمية

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
سندات القرن Hannah Wanjie Ryder

راديو إكسبرس

البث المباشر

هانا وانجي رايدر : دبلوماسية سابقة، هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة استشارات التنمية “Development Reimagined”، وكبيرة زملاء برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

بكين ــ في السنوات الأخيرة، عَرَضَت البلدان الأشد فقرا والأكثر عُـرضة لتغير المناخ على مستوى العالم حقيقة واحدة واضحة: نظام تمويل التنمية الحالي في الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل غير ناجح. وفي مؤتمرات المناخ السنوية، ومن خلال جهود إصلاحية بارزة مثل مبادرة بريدجتاون، طالبت هذه الحكومات ــ بصوت عالٍ ومثابرة ــ الدول الأكثر ثراء بمزيد من الجهد وبصورة أفضل.

ولكن يظل في الأمر مشكلة. ففي حين ازدادت الاحتياجات التمويلية، ازدادت أيضا المقاومة السياسية لأموال “المعونة”. في البلدان المانحة، أدت الضغوط المالية، وارتفاع أسعار الفائدة، والنزعة القومية الصاعدة إلى التضحية بميزانيات التنمية. وفي هذا المناخ، أصبحت المنح التقليدية من جانب المانحين ــ والتي تظل مهيمنة على تمويل بنوك التنمية المتعددة الأطراف ــ سامّة سياسيا أو مرهقة ماليا.

ولكن إذا كانت هذه العوامل مقَـيِّـدة إلى هذا الحد، فلماذا لا تقدم الدول الغنية القروض لبنوك التنمية المتعددة الأطراف، بدلا من التبرع بالمال؟ أو بمعنى أدق: لماذا لا تُصدر الدول الغنية سندات بفائدة منخفضة للغاية مدتها 100 عام لبنوك التنمية المتعددة الأطراف وتسمح لهذه المؤسسات بسدادها ببطء، تماما كما تفعل مع حاملي سنداتها العاديين؟

هذه الفكرة ليست ثورية ولا غير مسبوقة. فعندما ألغت الحكومة البريطانية الرق في عام 1833، التزمت بدفع 20 مليون جنيه إسترليني (27 مليون دولار أميركي) ــ ما يعادل 40% تقريبا من ميزانية الحكومة السنوية في ذلك الوقت ــ “لتعويض” مالكي العبيد. ولتمويل البرنامج، أصدرت وزارة الخزانة سندات حكومية طويلة الأجل لم ينتهِ دافعو الضرائب البريطانيون من سدادها حتى عام 2015 ــ أي بعد أكثر من 180 عاما. لوضع هذا الأمر في منظوره الصحيح، فإن سندات المانحين بقيمة 5 مليارات دولار أميركي لمدة 100 عام من المملكة المتحدة اليوم ستساوي 0.3% من ميزانية الحكومة الحالية.

إذا كان بوسع الحكومات تقديم قروض لقرون من الزمن للتغلب على المظالم التاريخية، فمن المؤكد أنها قادرة على أن تفعل الشيء ذاته لتمويل مستقبل أفريقيا. كمسألة مالية، ينبغي أن تكون الفكرة واضحة. ففي نهاية المطاف، سوف تُـسَـدّد الأموال. ذلك أن ميزانيات البنوك المتعددة الأطراف مثل البنك الدولي أو بنك التنمية الأفريقي قوية، وتصنيفاتها الائتمانية ممتازة، والتدفقات النقدية من محافظ قروضها ثابتة. وهي تقترض بالفعل من أسواق رأس المال العالمية، فلماذا لا يمكنها أيضا الاقتراض بشكل مباشر ــ بأسعار فائدة ميسرة ــ من ذات البلدان التي تضغط عليها باستمرار لحملها على بذل مزيد من الجهد؟

لنفترض أن بلدا غنيا أصدر سندات لمدة 100 عام لأحد بنوك التنمية المتعددة الأطراف بفائدة 0.1%. سيكون بوسع البنك أن يوظف رأس المال هذا على الفور لتمويل الاستثمارات في البنية الأساسية، والقدرة على التكيف مع المناخ، والتعليم، وغير ذلك. ولكن على النقيض من الـمِـنَـح، سوف تُـسـتَـرَد الأموال بمرور الوقت. وستكون التكلفة المالية الأولية ضئيلة للغاية، وإدارة الأمور السياسة أسهل. ومن الممكن طمأنة الناخبين إلى أنها ليست صدقة، بل استثمار.

وبنوك التنمية المتعددة الأطراف ستربح أيضا. ذلك أنها ستحصل على رأس مال وفير ومرن يمكنها استخدامه لتوسيع نطاق إقراضها دون إضعاف ميزانياتها العمومية أو تعريض تصنيفاتها الائتمانية للخطر. وإذا جرى تصميم سندات المانحين على أنها رأس مال ثانوي أو هجين، فمن الممكن أن تعمل سندات المانحين عمل الأسهم. على سبيل المثال، من الممكن أن تعمل سندات المانحين الضخمة لمدة 100 عام والصادرة مباشرة لصالح بنك التنمية الأفريقي على تمكين البنك من تقديم قروض بآجال استحقاق تقترب من 30 عاما أو أكثر إلى البلدان المتوسطة الدخل. في ظل الوضع الراهن، لا تتلقى مثل هذه الشروط سوى البلدان المنخفضة الدخل (في أفضل الأحوال)، وفقط لتمويل مشاريع صغيرة إلى حد ما والتي تقل قيمتها عن 500 مليون دولار.

من شأن سندات المانحين على هذا النحو أن تدعم التنمية بطرق غير واردة ببساطة بموجب النظام السائد. في الوقت الحالي، يحد رأس مال بنك التنمية الأفريقي وقاعدة تمويله من طول أمد القروض التي يستطيع تقديمها بأمان. وبسبب قيود التمويل وبروتوكولات إدارة المخاطر، تميل القروض المقدمة للبلدان المتوسطة الدخل إلى أن تكون آجال استحقاقها أقصر (10-25 سنة)، وأسعار الفائدة عليها أعلى (4% على الأقل).

كما تخلق الاختلافات في القدرة على الوصول إلى التمويل المنخفض التكلفة قيودا على المشروعات العابرة للحدود التي تشمل بلدا منخفض الدخل وبلدا آخر متوسط الدخل. في كثير من الأحيان، تنتهي الحال بالتمويل المختلط في هذه الحالات إلى أن يكون أكثر تكلفة للبلد المنخفض الدخل مقارنة بمشروع محلي بذات الحجم.

وعلى هذا فإن رؤوس أموال المانحين الطويلة الأجل للغاية ــ والتي يمكن تقديمها على نطاق أوسع كثيرا من منح مساعدات التنمية الرسمية ــ من شأنها أن تعزز ميزانية بنك التنمية الأفريقي العمومية وتقلل من تكلفة الأموال. ويُـتَـرجَم هذا إلى تمويل أكثر صبرا واستقرارا لمشاريع البنية الأساسية الضخمة، ومشاريع الطاقة، والمشاريع المرتبطة بالمناخ ــ خاصة تلك العابرة الحدود. وهذه هي على وجه التحديد أنواع الاستثمارات التي تستغرق عقودا من الزمن لتؤتي ثمارها.

أما عن البلدان المنخفضة الدخل، فإنها ستستفيد من وجود نظام أكثر قوة واستجابة تديره بنوك التنمية المتعددة الأطراف ــ نظام يتمتع بقدرة مالية أكبر واعتماد أقل على تجديدات رأس المال التي لا يمكن التنبؤ بها ــ والقدرة على الاقتراض مع البلدان المجاورة المتوسطة الدخل.

بوضع هذا الاقتراح في الاعتبار، عملت أنا وزملائي في مؤسسة Development Reimagined “إعادة تصور التنمية” على وضع نموذج لسيناريو يساهم فيه كل بلد عضو في مجموعة العشرين بسندات بقيمة 5 مليارات دولار أميركي لمدة 100 عام لصالح بنك التنمية الأفريقي. وسيمثل هذا المبلغ، الذي يبلغ في المجمل نحو 90 مليار دولار، أحد أكبر عمليات ضخ رأس المال في تاريخ البنك، ليزيد رأس ماله المدفوع بحوالي 4.5 إلى 6 أضعاف، ويضاعف قدرته على الإقراض تقريبا.

مثل هذه الزيادة الهائلة في الموارد المالية من شأنها أن تغير قواعد اللعبة في أفريقيا. فهي كفيلة بخفض تكلفة رأس المال في القارة (بسبب تعزيز مكانة بنك التنمية الأفريقي الائتمانية وانخفاض تكاليف التمويل). وهي كفيلة أيضا بتمكين البنك من تقديم قروض طويلة الأجل للبلدان المتوسطة الدخل، لتسد فجوة كبيرة في تمويل البنية الأساسية وتمويل العمل المناخي. كما أنها ستدعم مشروعات البنية الأساسية الضخمة والمستدامة عبر الحدود والتي تستلزم توفر رأس مال صبور للغاية.

بجعل هذا الاقتراح جزءا محوريا من أجندة مجموعة العشرين، يصبح بوسع جنوب أفريقيا أن تستغل رئاستها للمجموعة لتوجيه رسالة قوية. ولن يقتصر الأمر على إظهار القيادة العالمية التي يحتاج إليها تمويل المناخ والتنمية بشكل عاجل فحسب؛ بل سيساعد أيضا في تحويل السرد من الاعتماد على المساعدات إلى الاستثمار المستدام.

في وقت يتسم بتراجع مساعدات التنمية الرسمية (التي لا تزال مهمة)، تسنح لنا الفرصة للانتقال من نموذج تقديم المنح الذي لا يمكن التنبؤ به إلى نظام رأس مال متجدد، وقابل للسداد، ومنخفض التكلفة يعود بالفائدة على الجهات المانحة، وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، والبلدان المتلقية على حد سواء. لم تكن المخاطر في أي وقت مضى أعلى مما أصبحت عليه الآن. ويتعين على جنوب أفريقيا أن تغتنم الفرصة.

ترجمة: مايسة كامل        Translated by: Maysa Kamel

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *