بولسونارو وترامب كشفا التهديد الأكبر للديمقراطية

بولسونارو وترامب كشفا التهديد الأكبر للديمقراطية

- ‎فيمقالات رأي دولية, واجهة
Pedro Abramovay بولسونارو وترامب

راديو إكسبرس

البث المباشر

بيدرو أبراموفاي : وزير العدل البرازيلي (2011-2010)، يشغل حاليا منصب نائب رئيس البرامج في مؤسسة المجتمع المفتوح.

نيويورك – تميل التغطية الإعلامية لمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو إلى التركيز على أوجه الشبه اللافتة بين قضيته ومسيرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فكلاهما من اليمين المتطرف، وصلا إلى السلطة بصفتهما “قادمين من خارج النظام”، وحكما خلال جائحة كورونا، متبنيَين إنكار الحقائق العلمية في ما يتعلق بالطب والمناخ. وكلاهما أعلن مسبقًا أنه لن يقبل بالهزيمة الانتخابية، ثم حرّضا أنصارهما بعد خسارتهما على اقتحام برلماني بلديهما لقلب نتائج الانتخابات.

لكن الفارق اليوم أن أحدهما يجلس في مقعد المتهم وقد يواجه إدانة من المحكمة العليا في بلاده، بينما الآخر يحكم الولايات المتحدة. وكما خلصت مجلة ذي إيكونوميست بجملة لم يكن من المتصور سماعها قبل سنوات قليلة: “انتقل – ولو مؤقتًا – دور الراشد الديمقراطي في نصف الكرة الغربي إلى الجنوب.” وفهم كيف حدث ذلك أمر أساسي لمواجهة التحديات الكبرى التي تعترض الديمقراطيات المعاصرة.

ظهر بولسونارو في الساحة السياسية خلال أول انتخابات بعد إقرار دستور 1988، الذي أعاد الديمقراطية إلى البرازيل بعد أكثر من عقدين من الحكم العسكري. وكان برنامجه السياسي قائمًا على النزعة السلطوية.

ففي بدايات مسيرته، صرّح بأن الديكتاتورية العسكرية في البرازيل فشلت لأنها لم تقتل ما يكفي من اليساريين. كما قال إن الرئيس فرناندو إنريكي كاردوسو (1995-2002 وأول من أعيد انتخابه) كان يجب إعدامه، ووعد بإغلاق الكونغرس إن وصل إلى الرئاسة. وخلال جلسة التصويت على عزل الرئيسة ديلما روسيف عام 2016، أهدى صوته للعقيد الذي أشرف على تعذيبها إبان الديكتاتورية. هذه الأمثلة وغيرها كثير تكشف أن بولسونارو كان نتاج الديمقراطية رغم عقود قضاها في مهاجمتها.

أما ترامب، فكان مساره مختلفًا. برز في الثمانينيات باعتباره مثيرًا للجدل سياسيًا، حين طالب بإعدام خمسة مراهقين من ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية اتُّهموا ظلمًا باغتصاب في نيويورك. وبينما صنع لنفسه صورة “البليونير نجم تلفزيون الواقع”، بنى علامته السياسية على استثمار السخط الاقتصادي والثقافي.

لم يكن ترامب يومًا مؤمنًا بالديمقراطية الليبرالية، وكان أكثر احتقاره موجَّهًا للقضاء. ففي نظره، الثروة والسلطة كفيلتان بتجاوز أي عائق قانوني – وهي قناعة حملها معه إلى السياسة، حيث يسعى في ولايته الثانية إلى تقويض الدستور، وإنهاء استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، والتلاعب بالنظام الانتخابي، وإعادة تعريف المواطنة.

هُزم ترامب وبولسونارو في أول محاولة لإعادة انتخابهما. لكن عند هذه النقطة تنتهي التشابهات.

النظام الانتخابي البرازيلي أكثر قوة ومركزية من نظيره الأمريكي. إذ تُجرى الانتخابات في يوم واحد على مستوى البلاد تحت إشراف القضاء الفيدرالي، مع ضمان المساواة في الوصول إلى صناديق الاقتراع، من قرى الأمازون الأصلية إلى مزارعي البامبا. وتُعلن النتائج خلال ساعات. كان بولسونارو أول مرشح منذ عقود يطعن في نزاهة هذا النظام، مقوِّضًا ثقة الشعب به.

أما في الولايات المتحدة، فالنظام الانتخابي مجزأ، وهو ما استغله ترامب ليزرع الشكوك في قلوب أنصاره ويُمهّد لتمرّد السادس من يناير 2021. كما ضغط على مسؤولين في الولايات لتزوير النتائج.

لكن بولسونارو ذهب أبعد. فقد كشفت التحقيقات أنه وأعوانه ناقشوا مرسومًا لتعطيل تنصيب الرئيس المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا – وهو مخطط فشل بسبب انقسام الجيش. وخطة أخرى تضمنت اغتيال لولا ونائبه جيرالدو ألكمين وقاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايش – أُجهضت في اللحظة الأخيرة أيضًا لغياب دعم الجيش.

وبعد الانتخابات، أقام أنصار بولسونارو اعتصامات أمام الثكنات العسكرية مطالبين بتدخل الجيش، بينما شجع مسؤولون حكوميون على التصعيد. وبعد أسبوع من تنصيب لولا، اقتحموا بعنف مقارّ السلطات الثلاث في برازيليا.

في الولايات المتحدة، تغيّر المشهد السياسي بعد أن حرّض ترامب أنصاره على اقتحام الكابيتول. وُجّهت له اتهامات جنائية، لكن أخطرها سقط فعليًا عندما حكمت المحكمة العليا بمنحه حصانة شبه مطلقة. وجاء فوزه في انتخابات 2024 ليُنهي كل محاولات محاسبته.

أما بولسونارو، فقد واجه مقاومة أشد من النظام القضائي. فقد كانت المحكمة العليا هدفًا رئيسيًا له خلال ولايته، لكن عندما رفع المدعي العام – الذي يتمتع باستقلالية أكبر مقارنة بنظيره الأمريكي – دعاوى ضده، كان ذلك نقطة تحول في تاريخ البرازيل الذي طبعته عقود من إفلات مدبّري الانقلابات من العقاب.

بولسونارو الآن يُحاكم بتهمة محاولة إلغاء سيادة القانون الديمقراطي – وهي جريمة منصوص عليها بوضوح في القانون البرازيلي، على خلاف الوضع في الولايات المتحدة. والأهم أن القانون البرازيلي يجرّم محاولات الانقلاب انطلاقًا من مبدأ أن نجاحها يعني تقويض أي إمكانية للمساءلة. أما ادعاؤه بأنه “فكّر فقط” في الأمر دون أن ينفذه، فهو الآن تحت مجهر القضاء.

يمثل ترامب وبولسونارو نموذجين لما يسمى “السلطوية التنافسية” المعاصرة. فكلاهما يجيدان التلاعب بالمعلومات المضللة، ويروجان خطابًا معاديًا للعلم وللحقوق، ويحتقران المؤسسات الديمقراطية.

لكن بولسونارو يحمل بصمة واضحة من السلطوية في القرن العشرين، فمثله الأعلى هو الديكتاتورية العسكرية التي انتهت في الثمانينيات. ومع أن لا بلد قادر تمامًا على صد تآكل الديمقراطية، فقد أرسى دستور البرازيل ما بعد الديكتاتورية ضمانات قوية. يُحاكم بولسونارو اليوم لأنه لم يستطع كبح نفسه وانتظار التفكك البطيء للمؤسسات الديمقراطية، بل حاول انقلابًا كلاسيكيًا – ووجد شعبًا مستعدًا لرفضه.

وبالنسبة لي، كبرازيلي سُجن أو نُفي أفراد من عائلتي خلال الحكم العسكري، من المطمئن أن أرى بولسونارو يُحاكم، خصوصًا وأن أي قائد عسكري لم يُدان بجرائم تلك الفترة. لكن الخطر الأكبر اليوم ليس الانقلابات العسكرية، بل “السلطويون التنافسيون” الذين يتغذون على التدهور التدريجي للمؤسسات الديمقراطية. في البرازيل والولايات المتحدة وأماكن أخرى، علينا أن نوقف هذا الانحلال الذي يمكّنهم من الوصول إلى السلطة.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *