بمناسبة انعقاد مؤتمرها الأوروبي “Kaspersky HORIZONS” في العاصمة الإسبانية مدريد، من 30 يونيو إلى 2 يوليو 2025، حذرت شركة كاسبرسكي من تنامي التهديدات المرتبطة بالحوسبة الكمومية، داعية إلى تعبئة عالمية لمجتمع الأمن السيبراني لمواجهة ما وصفته بـ”التحول الأخطر في العقد المقبل”.
المؤتمر، الذي يتزامن مع الذكرى المئوية لظهور فيزياء الكم، خصص حيزا مهما لمناقشة تداعيات التطورات الكمومية على مستقبل الأمن الرقمي، خاصة في ظل ما وصفته كاسبرسكي بـ”الانفجار التقني المقبل” الذي قد يقلب موازين الحماية السيبرانية رأسا على عقب.
مع اقتراب الحوسبة التقليدية من حدودها الفيزيائية، تبرز الحوسبة الكمومية كخيار واعد لحل المشكلات المعقدة بسرعة غير مسبوقة، ورغم أن استخدامها لا يزال في الإطار البحثي، فإن التوقعات تشير إلى ظهور حواسيب كمومية عالية الكفاءة خلال السنوات القادمة، قادرة على تحمل الأعطال وتنفيذ مهام معقدة في وقت قياسي.
لكن في مقابل هذه القفزة العلمية، تطرح تساؤلات جدية حول الآثار المترتبة على الأمن الرقمي العالمي، فبحسب تقرير “ديلويت” لعام 2024، فإن 83% من المؤسسات حول العالم بدأت بالفعل تقييم مخاطر الحوسبة الكمومية، ما يعكس قلقا متزايدا وتحركا استباقيا داخل القطاع الخاص.
المخاوف الكبرى تنبع من قدرة الحوسبة الكمومية على كسر أنظمة التشفير التقليدية، وتقول كاسبرسكي إن الأمر لم يعد مجرد فرضية علمية، بل خطر وشيك يتطلب استعدادا فوريا، من أبرز السيناريوهات المتوقعة، فك تشفير المراسلات الدبلوماسية أو العسكرية الحساسة، وكشف البيانات المالية والتجارية، بل وحتى التلاعب بمفاوضات سرية في الزمن الحقيقي.
وفي هذا السياق، شددت السيدة بيلار ترونكوسو، مديرة العلاقات في شركة Qcentroid، على ضرورة اعتماد المؤسسات أطرا هجينة تتيح تجربة الحلول الكمومية وتقييمها مبكرا، مؤكدة أن “الاستعداد لم يعد خيارا بل ضرورة استراتيجية”.
خلال المؤتمر، حددت كاسبرسكي ثلاثة تهديدات كمومية رئيسية، استدعت تحذيرات من مختلف الخبراء والمشاركين:
بدأت بعض الجهات الخبيثة بجمع البيانات المشفرة سلفا، على أمل فك تشفيرها لاحقا باستخدام حواسيب كمومية مستقبلية، هذه الاستراتيجية تمثل تهديدا خطيرا على المعلومات الحساسة طويلة الأمد مثل الأسرار التجارية والمراسلات الخاصة.
الخوارزميات الأمنية التي تحمي العملات المشفرة مثل بيتكوين معرضة للاختراق الكمومي، مما قد يسمح بتزوير التوقيعات الرقمية أو سرقة المحافظ أو تعديل سجلات المعاملات، وهو تهديد مباشر للنظام المالي اللامركزي.
يتوقع خبراء أن تشهد السنوات القادمة ظهور برمجيات فدية تستخدم خوارزميات تشفير “ما بعد كمومية”، ما يجعل من الصعب فك تشفير الملفات حتى بالأجهزة الكمومية نفسها، ويصعب جهود الاستجابة التقليدية للهجمات.
رغم أن الحواسيب الكمومية القادرة على تهديد الأمن الرقمي لم تظهر بعد، فإن التأخر في الاستعداد لها يعد مخاطرة جسيمة، ويؤكد الخبراء أن الانتقال إلى خوارزميات “ما بعد الكم” يتطلب تخطيطا طويل الأمد وجهودا منسقة.
في هذا الإطار، دعا سيرغي لوجكين، رئيس وحدة البحث والتحليل في كاسبرسكي لمنطقتي الشرق الأوسط وآسيا، إلى التحرك العاجل، مؤكدا أن “المعلومات المشفرة اليوم قد تفكك غدا، والقرارات الأمنية التي نتخذها الآن سترسم معالم صمود بنيتنا الرقمية لعقود قادمة”.
أمام هذا المشهد المعقد، أجمعت الجهات المشاركة في المؤتمر على ضرورة التنسيق الدولي وتحديث البنى التحتية الرقمية عالميا، كما شددت على أهمية أن تتبنى الحكومات والمؤسسات الصناعية والتكنولوجية استراتيجيات تحول رقمي تتماشى مع تطورات الحوسبة الكمومية، وإلا فإنها ستكون عرضة لثغرات أمنية خطيرة في المستقبل القريب.
1 20 زيارة , 1 زيارات اليوم