راديو إكسبرس
البث المباشر
اوسار أحمد/
ثورة الملك والشعب ليست مجرد تاريخ يخلد في الذاكرة الوطنية، ولا حدثًا نعيد الاحتفاء به سنويًا بين مراسم رسمية وفعاليات شعبية. إنها أكثر من ذلك، هي عقد اجتماعي دائم يربط بين العرش والمواطن، ورمز للقوة الحقيقية للمغرب: تلاحم شعبه مع قيادته، وفهم متبادل بين طموح الدولة ووعي المواطنين. منذ انتفاضة 20 غشت 1953، حين واجه المغاربة نفي الملك محمد الخامس ومحاولات المس بالسيادة الوطنية، أثبت الشعب أن وحدته حول السيادة ليست شعارًا فقط، بل ممارسة حقيقية تصنع التاريخ وتحدد مسار الأمة.
تاريخ الثورة وحده لا يكفي لفهم معناها اليوم. في عهد الملك محمد السادس، يتحول هذا الحدث التاريخي إلى مشروع تحديث دائم، يربط الماضي بالحاضر، ويمنح الذكرى معنى مستقبليًا واضحًا. الثورة لم تعد مواجهة استعمارية، ولا مجرد احتفال بالذكريات الوطنية. أصبحت عملية مستمرة لإعادة بناء الدولة، اقتصادها، وبنيتها الاجتماعية، وفي الوقت نفسه اختبارًا لقدرة القيادة على مواجهة تحديات العصر: البطالة المتزايدة، التحول الرقمي السريع، التغير المناخي، وضغوط الموارد الطبيعية.
يمكن النظر إلى الإنجازات الكبرى خلال العقود الماضية كدليل حي على هذا التحول العميق. البنية التحتية الحديثة، من ميناء طنجة المتوسط إلى القطار فائق السرعة، أعادت رسم الخريطة الاقتصادية وربطت المغرب بالعالم بطريقة لم يسبق لها مثيل. هذه المشاريع لم تحرك الاقتصاد فحسب، بل عززت الثقة الوطنية وفتحت أفقًا جديدًا للاستثمار والتنمية. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نقلت محاربة الفقر والهشاشة من خطاب سياسي إلى برامج عملية ملموسة، شملت جميع مناطق المملكة، وأتاحت تحسين حياة ملايين المواطنين، من المدن الكبرى إلى القرى النائية، مؤكدين أن الثورة الحديثة تبدأ بالإنسان قبل البنية التحتية. مشاريع الطاقة المتجددة، وعلى رأسها مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، عززت استقلالية المغرب الاقتصادي، ووضعته على خارطة الدول الرائدة في الطاقات النظيفة، ما يجمع بين الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
القضية الوطنية الأولى، الصحراء المغربية، أظهرت قدرة المغرب على تحويل التحديات إلى فرص. القيادة الحكيمة تمكنت من أن تجعل من مبادرة الحكم الذاتي نموذجًا عالميًا لحل النزاعات الإقليمية، ورفع مكانة المملكة على الصعيد الدولي. الملف الذي كان مصدر توتر وتحالفات متناقضة أصبح اليوم قصة نجاح دبلوماسي، يؤكد أن القوة ليست دائمًا في القوة العسكرية، بل في الذكاء، والتخطيط، والحجة الواضحة.
الاهتمام بالأمن المائي يظهر البُعد الاستراتيجي للثورة الحديثة. مشاريع بناء السدود ومحطات تحلية المياه وربط الأحواض المائية، مع الابتكار في تقنيات الري والزراعة، جعلت المغرب قادرًا على مواجهة ندرة الموارد وتأمين استدامة الأمن الغذائي والاجتماعي للأجيال القادمة. هذه المشاريع تثبت أن القيادة الملكية لا تفكر فقط في الحلول المؤقتة، بل تسعى إلى بناء أسس طويلة المدى، تجعل الدولة والمواطن قادرين على مواجهة أي تحديات مستقبلية.
المغرب اليوم ليس فقط قوة إقليمية، بل فاعل دولي قادر على استضافة الأحداث الكبرى. الفوز بتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025، والاستعداد لاستضافة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، يعكس ثقة العالم في المغرب. هذا الإنجاز ليس مجرد حدث رياضي، بل دليل على قدرة الدولة على الجمع بين الحداثة والتقاليد، واستثمار الرياضة كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وجعلها وسيلة لتعزيز السياحة، وخلق فرص العمل، وتقوية الانفتاح الثقافي للمغرب.
لكن التحدي الأكبر يكمن في نقل روح الثورة إلى الأجيال الجديدة، التي لم تعش تجربة المقاومة المسلحة، لكنها تواجه تحديات معقدة في عالم سريع التغير. الحل يكمن في إشراك المواطن في صناعة القرار، وتوسيع دائرة المشاركة الاقتصادية والسياسية، لضمان أن تظل ثورة الملك والشعب مشروعًا وطنيًا ملكيًا في الوقت نفسه، وليس مجرد إرث رمزي أو ذكرى مكررة.
ثورة الملك والشعب في عهد محمد السادس لم تعد ذكرى تتكرر سنويًا، بل أصبحت مشروع دولة مستمر، يربط بين التاريخ والمستقبل، ويعكس قدرة القيادة على الجمع بين الرؤية الاستراتيجية والتنفيذ العملي. المغرب اليوم يثبت أن التاريخ يمكن أن يتحول إلى مسار حضاري ملموس، وأن الثورة يمكن أن تكون صناعية، اقتصادية، وتنموية، حين تكون القيادة واضحة الرؤية والمثابرة.
ما يجعل هذه الثورة فريدة ليس مجرد الإنجازات الملموسة، بل القدرة على زرع الفخر الوطني والاعتزاز بمسار المملكة في النفوس. إن مسار الملك محمد السادس في تحديث الدولة وتطوير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية يمثل مثالًا حيًا على كيف يمكن للقيادة الواعية أن تحول ذكرى تاريخية إلى مشروع مستدام يحقق تطلعات الشعب، ويؤسس لمستقبل أفضل. المغرب اليوم قادر، أكثر من أي وقت مضى، على مواجهة تحديات العصر، وحماية مكتسباته، وتحقيق رؤيته الطموحة لمستقبل مستدام، يبقى فيه المواطن شريكًا حقيقيًا في بناء وطنه.
![]()









