المغرب الجديد.. حين تتحول الرؤية الملكية إلى مرجع عربي وإفريقي

المغرب الجديد.. حين تتحول الرؤية الملكية إلى مرجع عربي وإفريقي

- ‎فيمجتمع, واجهة
IMG 20250729 WA0140

راديو إكسبرس

البث المباشر

 

اوسار أحمد /

 

أصبحت التجربة المغربية في عهد الملك محمد السادس محط اهتمام متزايد في عدد من العواصم العربية والإفريقية، وتحظى بإشادة دولية متنامية. النماذج الاجتماعية التي تبناها المغرب، والاختيارات السياسية التي رسّخها على مدى ربع قرن، جعلت منه مثالاً يُستند إليه عند الحديث عن بناء الدولة الاجتماعية في السياقات النامية. هذا المسار لم يكن وليد الطوارئ أو الإكراهات، بل ثمرة رؤية ملكية متكاملة، وضعت المواطن في قلب السياسات العمومية، وجعلت من العدالة الاجتماعية أساساً لكل مشروع إصلاحي.

 

منذ صيف 1999، انطلقت معالم هذا التحول مع تولي الملك محمد السادس العرش، حيث بدأ المغرب يعيد تعريف أدوار الدولة وحدود تدخلها. لم يعد الأمر يقتصر على ضمان الحد الأدنى من الحقوق، بل تحول إلى التزام بتمكين المواطن وتعزيز موقعه داخل المنظومة الاقتصادية والاجتماعية. الانتقال من منطق الدولة الراعية إلى الدولة الاجتماعية لم يكن شكلياً، بل مسنوداً بإجراءات عملية ومشاريع ميدانية.

 

في هذا السياق، شكّل إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 محطة مفصلية. لم يكن الهدف فقط محاربة الفقر والهشاشة، بل إحداث تغيير عميق في علاقة الدولة بالفئات الهشة، عبر مقاربة تشاركية تشمل النساء والشباب وساكنة المناطق القروية. هذه المبادرة، التي تجاوزت الأهداف التقليدية، تحولت بفضل عدد المشاريع المنجزة وأثرها الملموس، إلى مرجع تعتمد عليه عدد من الدول الإفريقية التي شرعت في استنساخ التجربة على مقاساتها الوطنية.

 

ومع جائحة كورونا التي كشفت هشاشة البنى الاجتماعية في العالم، لم يتأخر المغرب في الرد. ففي خطاب العرش لسنة 2020، أعلن الملك محمد السادس عن ورش تعميم الحماية الاجتماعية. هذا القرار، رغم صعوبة السياقين الصحي والاقتصادي، عكس إرادة سياسية واضحة للانتقال إلى مرحلة جديدة من بناء الدولة الاجتماعية. تعميم التغطية الصحية، إلغاء نظام “راميد”، إطلاق آلية موحدة للتعويضات، تحسين التقاعد للفئات غير المهيكلة، وإحداث سجل اجتماعي موحد، كلها تحركات جسدت هذا التوجه، تحت إشراف مباشر من الملك، الذي واكب مراحل التنفيذ بدقة في جلسات عمل ومجالس وزارية.

 

هذا الالتزام السياسي لم يكن منعزلاً عن الميدان. فمنذ بداية حكمه، اختار الملك محمد السادس أسلوب القرب، من خلال زيارات ميدانية متكررة، وتدخلات مباشرة في الأزمات والكوارث. من زلزال الحسيمة إلى فاجعة الحوز، مروراً بمأساة الطفل ريان، حرص الملك على التفاعل مع الحدث، ليس فقط عبر التعليمات، بل بالحضور الإنساني الذي يعيد الاعتبار لقيمة التضامن داخل النسق السياسي.

 

في موازاة ذلك، واصل المغرب تعزيز حضوره الإقليمي والدولي في المجال الإنساني، عبر تقديم مساعدات عاجلة لعدد من الدول مثل فلسطين ولبنان وتركيا، واستقباله آلاف الطلبة من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. هذا الامتداد الإنساني عزز صورة المغرب كفاعل موثوق وشريك مسؤول في قضايا التضامن والتكافل جنوب–جنوب.

 

ومع دخول سنة 2025، اكتسبت الدولة الاجتماعية في المغرب بعداً مؤسساتياً وتشريعياً واضحاً. لم تعد مجرد شعار، بل منظومة متكاملة تشمل تغطية صحية معممة، دعم مالي مباشر، تعويضات عائلية، نظام تقاعدي موسع، إصلاح نظام المنح، كفالة الأطفال المهملين، تطوير بنيات إدماج السجناء، وتعزيز دور مؤسسة محمد الخامس للتضامن كفاعل ميداني محوري. هذه السياسات، التي تتم عبر آليات الحوكمة الحديثة مثل السجل الاجتماعي الموحد، تُظهر أن الدولة انتقلت من منطق الإحسان إلى منطق الاستهداف والإنصاف.

 

رغم التحديات المرتبطة بالفوارق المجالية وصعوبات بعض المرافق العمومية، إلا أن المغرب وضع الأسس الصلبة لبناء دولة قائمة على التضامن والكرامة والعدالة الاجتماعية. وهذا التحول لم يكن عشوائياً، بل نتاج رؤية ملكية بعيدة المدى، تُوازن بين الاستقرار السياسي والإصلاح الاجتماعي.

 

اليوم، تتجه الأنظار نحو الرباط، حيث تتطلع دول كثيرة إلى فهم أسرار هذا النموذج المغربي الذي جمع بين السيادة والإصلاح، وبين القرب الإنساني والفاعلية المؤسساتية. تجربة الملك محمد السادس لم تعد فقط مغربية، بل تحولت إلى مرجع ملهم، يؤكد أن بناء الدولة الاجتماعية في العالم العربي ليس طموحاً نظرياً، بل مساراً قابلاً للتنفيذ حين تتوفر الإرادة والقيادة والرؤية.

Loading

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *