متابعة
كشف عبد القادر أعمارة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن التفاوت الكبير في توزيع الاستثمارات داخل القطاع الفلاحي، حيث لم تستفد الفلاحة العائلية، التي تمثل 70% من مجموع الاستغلاليات الفلاحية في المغرب، سوى من 14.5 مليار درهم، مقابل 99 مليار درهم خصصت للفلاحة ذات القيمة العالية.
وأكد أعمارة، خلال لقاء تواصلي نظم يوم الأربعاء لتقديم مخرجات رأي المجلس حول موضوع “الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة”، أن هذا النمط من الفلاحة، المعروف أيضا بالفلاحة المعيشية أو الاجتماعية والتضامنية، يلعب دورا محوريا في التنمية القروية، لكنه لا يزال يعاني من تهميش واضح على مستوى الدعم المؤسسي، سواء من حيث المواكبة التقنية، أو التمويل، أو التأطير.
وأشار المجلس في رأيه المعروض إلى أن هذه الاستغلاليات، رغم أنها تشكل حوالي 70% من مجموع الوحدات الفلاحية وتشغل نصف اليد العاملة القروية، إلا أنها ما تزال على هامش برامج التنمية الفلاحية الكبرى، ما يزيد من هشاشتها، خاصة في ظل التغيرات المناخية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف البنية العقارية، وغياب آليات التثمين.
وانتقد أعمارة هذا التفاوت الصارخ، مستشهدا بمخطط المغرب الأخضر، الذي ركز استثمارات ضخمة في الفلاحة التصديرية وذات القيمة المضافة، وأهمل الفلاحة العائلية التي تمارس في أراض تقل مساحتها عن ثلاثة هكتارات.
واستعرض رئيس المجلس نتائج الاستشارة المواطنة التي أطلقت عبر منصة “أشارك”، والتي شهدت مشاركة كبيرة من سكان العالم القروي بنسبة 57%. وكشفت النتائج أن أبرز التحديات التي تواجه الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة تشمل ضعف الإرشاد الفلاحي (27%)، هشاشة البنية أمام التغيرات المناخية (20%)، ضعف التنظيم (16%)، وصعوبة الولوج إلى التمويل (14.5%).
كما شدد أعمارة على أن غياب التنظيم داخل تعاونيات أو مجموعات اقتصادية يحد من قدرة هذه الوحدات على التفاوض والتسويق، ويجعلها عرضة لمضاربات الوسطاء، خاصة في الأسواق الأسبوعية التي تعد المنفذ الرئيسي لبيع فائض الإنتاج.
وفي مواجهة هذا الواقع، دعا المجلس إلى إرساء خطة عمل وطنية خاصة بالفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة، تستحضر الخصوصيات البيئية والمجالية، وتركز على دمج هذا النمط من الفلاحة في سلاسل القيمة، وتيسير الولوج إلى التمويل، وتحفيز دوره في الحفاظ على البيئة.
واقترح المجلس جملة من التوصيات، من بينها: تعزيز الممارسات الفلاحية المستدامة مثل الزرع المباشر وتناوب المحاصيل، تشجيع الزراعات المقاومة للتغيرات المناخية كالصبار، الزعفران، والأركان، دعم التنظيم في تعاونيات، تطوير وحدات صناعية محلية لتثمين الإنتاج، وتحسين البنيات التحتية في العالم القروي.
كما أوصى بتقوية خدمات الاستشارة الفلاحية، وتوسيع نطاق الدعم ليشمل أنشطة غير فلاحية مدرة للدخل، مع الاعتراف بالدور البيئي للفلاحة العائلية عبر آليات مالية تحفيزية، تسهم في الحفاظ على التربة، ومحاربة التصحر، وصيانة الموروث الطبيعي والثقافي.
وختم أعمارة بالتأكيد على أن التحدي الحقيقي يكمن في الانتقال من منطق “الفلاحة المعيشية” إلى نموذج إنتاجي متكامل، ومستدام، ومندمج، يثبت السكان في العالم القروي، يحفظ كرامتهم، ويؤمن السيادة الغذائية للمغرب.